(قصة قصيرة ساخرة)
نظر في المرآة وراح يحدث نفسة كالمجنون ويقول مخاطبا شخص غير موجود: منك لله يا وفاء.. عملتيها على غفلة، وكأنك مُصرة تورطيني وتخربي بيتي.. ده أنا لسه دافع دم قلبي في هدايا عيد أم ليكي أنتي وأمك، ومع ذلك ما رحمتنيش.
وكان سعيد الفخراني يدعو الله ليلاً ونهاراً أن تأتي ولادة زوجته بعد شهر كمان، حتى يستطيع أن يتدبر أمره!
لكن بدا الأمر وكأنها تعانده، وجاءت ولادتها قبل الموعد المحدد بثلاثة أسابيع وكام يوم، وقد نصحه الطبيب المعالج بوضع الطفلة المولودة في حضانة، حتى يكتمل نموها، والحضانة عايزة 200 جنيه في اليوم، ده غير مصاريف الولادة!
يعني خراب بيوت مستعجل.. نزل سعيد للشارع، وهو لا يعرف الجهة التي يقصدها.. كل ما يعرفة أنه يريد أن يقترض 2000 جنيه من أي حد.
مر في البداية على الجريدة التي يعمل بها، ليسأل عن بدل النقابة، وفكر أن يمرعلى مكتب زميله مصطفي المهلباتي! اسمه مصطفى جمعة، لكن زملاءه أطلقوا عليه لقب المهلباتي، لأنه كان حريفاً في فن إخراج النقود من جيوب الآخرين، وكل نشاط يقوم به لابد وأن يكون وراه سبوبة.. إعلانات ماشي.. حوار مدفوع ماشي.. مشهلاتي وخرّاب بيوت وبتاع كله. المهم يعرف يطلع القرش.. جلس سعيد أمام مصطفى المهلباتي ما يزيد عن ربع ساعه، والآخر مابطلش كلام في الموبايل، واضح إنه بيخلص شغل وبيعمل شوية ترتيبات مع مصادر، وبمجرد أن التقط المهلباتي نفسه، وقبل أن يضع إصبعه ليضرب رقما جديدا، سارع سعيد وقال له: مالقيش معاك ألفين جنيه.. مراتي في المستشفي وبنتي حطوها في الحضانة، ومفيش في جيبي إلا بدل النقابه.
وقبل أن يرد مصطفى المهلباتي، استمر سعيد في كلامه: أنا عارف إنك ندل وعمرك ما ساعدت حد، لكن إفتكر إن الناس لبعض، وأنا مزنوق، ولازم ارجع المستشفى ومعايا فلوس.. أرجوك ما تقولش لأ.
وبعد أن تأكد مصطفى أن سعيد قد انتهي من كلامه، قال له: سعيد.. ما تضيعش وقتك معايا.. أنا فعلا ندل زي ما بتقول، لكن رغم كده.. مش حااسيبك، وحانصحك وأدلك إزاي تجيب الألفين جنيه.
قدامك طريقتين.. الأولى مضمونة بنسبة عشرين في المية، والتانية مضمونة بنسبة خمسين في الميه!
وفي لهفة شديدة أجاب سعيد.. اعمل معروف ودلني على الطريقة بتاعة الخمسين في المية.
قال مصطفي بلهجة الواثق: طبعا عارف مدام مديحة هلال رئيسة قسم المرأة.. دي يا سيدي عاملة جمعية بعشرتلاف جنيه، وقبضتها من يومين.. عليك بيها.. بس لازم في الأول تتملقها شوية قبل ما تطلب الفلوس.. أنت عارف بقى الولية عدت الخمسين، ومفيش كلب بيشمها، وتلاقيها نفسها في كلميتن حلوين من أي راجل.
لو قدرت تاكل بعقلها حلاوة تبقى وصلت لجيبها.
أما إذا حست أنك بتخدعها، يبقي مش بعيد تلبسك تهمة تحرش، وأضاف مصطفي.. روح حاول معاها.. النسوان مفيش أحسن منهم في مواضيع الفلوس!
وبسرعة ذهب سعيد إلى مكتب الأستاذة مديحة، وجدها فاتحة اللاب توب على موقع لأزياء العرائس، وبمجرد أن وقعت عينيه عليها، تذكر نصيحة مصطفى المهلباتي، وقال بصوت مسموع وواضح: ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.. إيه الحلاوة دي يا أستاذة.. ده أنتي النهاردة زي البدر المنور.. جمال وشباب وأناقة.. حاجة تفرح صحيح!
وبدت الدهشة على ملامح مديحة، وكأنها تسمع رجلاً مجنوناً، فهي لم تعتد أن يغازلها سعيد بهذا الأسلوب البدائي المكشوف!
ثم إن تلك الأوصاف التي ذكرها لا تنطبق عليها بالمرة، فأدركت بحاستها الأنثوية أن هذا الغزل أو النفاق، يحمل هدفا غامضا، ورفعت عينيها من على شاشة اللاب توب، وقالت لسعيد: خش في الموضوع يا أستاذ سعيد.. عايزإيه بالظبط؟
وكانت الغلطة الثانية التي ارتكبها سعيد، ونسى معها وصية مصطفى المهلباتي بعدم إظهار النوايا مرة واحدة، وكانت لهفته قد سبقت تفكيره، وقال لمديحة: أستاذة مديحة.. أنا عارف إن حضرتك، لسة قابضة جمعية بعشر تلاف جنيه، ولو سمحتي سلفيني منهم ألفين جنيه، وقبل أن يكمل كلامه وجد ملامح مديحة تتغير وتتبدل، وكأنها أصيبت بحالة من سعار بعد أن عضها كلب عقور، وقالت لسعيد بصوت أجش يشبه صوت البلطجية: نعم يا روح أمك.. مين ابن الصرمة اللي قالك إن معايا فلوس؟! وافرض معايا فلوس.. اسلفك منهم ألفين جنيه ليه، وبأمارة إيه؟! حاتقولي، زملا وكلام فارغ، حاقولك يحنن.. ده أنت عمرك ما صبحت عليا، ومن يوم ما اتعينت في المخروبة دي، وأنت حاطط مناخيرك في السما، وفاكر روحك حاجة.. قال إيه بتكتب في الفن.. طب خللي الفن ينفعكز
ما تروح للآلاتية والعوالم اللي بتكتب عنهم.. ما هم عندهم فلوس زي الرز، وعلى قلبهم قد كده!
وأيقن سعيد أن الأستاذة مديحة مش حاتسكت، بعد أن انفتحت شهيتها على تهزيأه وإهانته، فانصرف من أمامها مسرعا، ولحق بزميله مصطفى المهلباتي قبل أن يدخل المصعد الذي سوف ينطلق به للدرو الأرضي ومنه للشارع، وقال وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة: إلحقني يا مصطفى بالحل التاني، يمكن يكون أرحم من الأستاذة مديحة، وقال مصطفى وهو يستعد لدخول المصعد: مفيش قدامك غير الأستاذ حسني رئيس التحرير.. روح اطلب منه سلفة، لو وافق بتوع الإدراة حايخلصولك الطلب بعد يومين بالكتير، واختفى مصطفى داخل المصعد، وترك سعيد في حالة حيرة لا يعرف كيف يتصرف، قال لنفسه: وهل أمامي حل آخر.. أهي محاولة والسلام!
جلس سعيد في مكتب السكرتارية ساعة كاملة، قبل أن يسمح له بالدخول إلى رئيس التحرير، وعندما أصبح قبالته، قال له في رجاء: أستاذ حسني.. أنا متعين من عشر سنين، وعمري ما طلبت من حضرتك أي طلب استثنائي، لكن أنا مزنوق.. مراتي ولدت فجأة، والبت حطوها في الحضانة.
وقبل أن يكمل سعيد كلامه، بادره رئيس التحرير، وكأنه لم يستمع إليه.. خلصت الحوار اللي طلبتة منك؟
وفي دهشة قال سعيد: حوار إيه يا افندم.. حضرتك ما طلبتش مني حاجه؟!
وفي غضب صرخ فية الأستاذ حسني.. هو أنا لازم اطلب.. مش تشوف شغلك كويس قبل ما تيجي تعمل زي الشحاتين؟
عايز سلفة طبعا.. كلكوا عايزين فلوس من غير ما تعملوا شغل.. يعني بدل ما تدخل عليا بكام حوار.. جاي فاضي، وكمان بتطلب سلفة؟! أنت إيه يا وللا.. ماعندكش دم؟! مش تحمد ربنا أننا عيناك.. ده فيه غيرك آلاف بيحلموا بالفرصة اللي أنت واخدها.. غور من وشي وماترجعش إلا وفي إيدك كام حوار مع أبطال مسلسلات رمضان، وعايز صور جديدة حصريا.. فاهم ولا لأ؟
خرج سعيد وقد لفت الدنيا به، وكان قد اغلق تليفونة المحمول تجنبا لاتصالات زوجته وأمها وأشقائها.. يعرف أن جميعهم سوف يطالبونه بإحضار فلوس المستشفى!
وبعد أن سار عدة كيلومترات لا يعرف عددها، ألقى بنفسه على دكة، في شارع جامعة الدول العربية.. أخذ يعصر مخه ويفكر، كيف يحصل على مبلغ 2000 جنيه، قبل أن ينقضي اليوم وترتفع قيمة فاتورة المستشفى.
وأخيرا.. لمعت في دماغه فكرة وأخرج الموبايل وراح يبحث عن رقم بعينه، واتصل بسامح النحيت، وسامح هذا معد برامج في أكثر من قناة فضائية، وبمجرد أن استمع إلى صوت سامح، حتى بادره قائلا: سامح.. شوف بقى من غير لف ودوران.. أنا عايز أبقى ضيف في برنامج الولية اللي بتشخط في الناس.. طبعا أنتوا بتدفعوا ألف جنيه للضيف.. شوف بقى تقدر تستضيفني إمتى؟
وسمع صوت سامح يقول له: ابن حلال يا سعيد يا اخويا.. جيت في وقتك.. شوف بقى.. أنسى برنامج الولية اللي بتشخط في الناس.. عندي برنامج تاني بتاع مقالب، محتاجين فيه واحد زيك كده!
وسأل سعيد ببراءة ممزوجة بدهشة: حد زيي إزاي يعني؟ وأجابه سامح: يعني عايزين واد لذيذ ودمه خفيف ومايزعلش من الهزار.. شوف.. البرنامج قايم على المقالب، وحيتعرض في رمضان.
وسأل سعيد: طيب إيه المطلوب مني؟
أجابه سامح: أنت تروح تزور واحد فنان في بيتة زي \”رامز جلال\” كده، وأول ما حاتدخل، حاتلاقي جردل مية سقعة نازل على دماغك؟ طبعا الناس حتضحك، وإنت تعمل نفسك اتفاجئت.. تيجي تقعد على كرسي.. يقع بيك.. الناس حاتضحك، وإنت تعمل إنك اتفاجئت.. تيجي تفتح إزاززة كازوزة، يطلع منها عفريت الست، تقوم مخضوض والناس تضحك، وقبل أن يكمل سامح، سأله: حاتدفعوا كام في الحكاية دى؟
وأجاب سامح: ألف جنية زي العادة.
قال له: شوف يا سامح.. أنا عايز ألفين جنية بأي شكل.. مفيش برنامجين زي دول.. أنا مستعد لأي حاجة.. المهم يكون في إيدي النهاردة الألفين جنيه.
وصمت سامح برهة وكأنة يفكر، وقال له: والله أنت ابن حلال يا سعيد.. عندي برنامج دمه زي العسل.. بتقدمه قناة خليجية فاتحة جديد، واسم البرنامج: \”تعمل إيه لما حد يضربك على قفاك؟ ها.. موافق؟ دول بقى بيدفعوا بالعملة الصعبة.. خمسميت دولار حتة واحده!
ولاحت ابتسامة على وجه سعيد، وقال لنفسه: ياما أنت كريم يارب!