قصة قصيرة ساخرة
لالا.. إيه الأسماء العرة دي يا أحمد.. أنت فاكر إنهم رايحين مولد؟ دي رحله دعم للريس في المانيا، ولازم العالم يعرف إن كل الناس في مصر بتحبه ومستعدين يروحوا وراه لآخر مكان في العالم، فهمت يا أحمد؟
– كان المسؤول الأمني يتحدث إلى أحد رجاله المخلصين، وهو يقرأ في ورقه، تحمل مجموعة من أسماء بعض الإعلاميين والممثلين متوسطي القيمة، وكانت علامات الغضب وعدم الرضا واضحه على ملامحه، بينما جلس أمامه \”أحمد\”، وهو يرتجف ويحاول أن يتمالك ويبدي استعداده لإبهاره، وأخرج من جيب الجاكتة ورقه أخرى، وكأنه كان يحتفظ بالورقة الرابحه لآخر وقت، وهي ورقه تحمل مزيدا من الأسماء لبعض النجوم وقال للمسؤول الكبير وهو يناوله إياها.
– طيب إيه رأي حضرتك في الاسمين اللي في أول القائمة؟
– تململ المسئول الكبير، وظهر عليه مزيد من الامتعاض: جرى لك إيه يا أحمد، دول وجوه محروقه؟ دول يشبهونا ويجيبوا لنا الكلام، ويخلونا مسخرة العالم.
– يا افندم دول نجوم شباك، كل واحدة فيهم بتاخد ملايين.
– بلاش كلام فارغ، نجوم شباك إيه؟ دول نجوم مناور، وأسطح، بلا هم وقلة حيا.
– بس يا افندم دول على قدنا.. نقولهم تعالي هنا ييجوا، روحوا هناك، يروحوا، اطلعوا قولوا كذا بيقولوا، في الحقيقه عمرهم ما أخروا لنا طلب.
– لا الاختيار المرة دي مش عاحبني أبدا.. طيب شوف حاجة توزن الكفة شويه، مقدرش اروح للرياسهة أعرض عليهم الأسماء دي، شكلي حايبقي وحش، شوف حاجة تانية.
وأخذ أحمد يقدح زناد فكره، ويهرش في رأسه، ومؤخرته عله يجد فكرة جديدة، أو اسم فنان أو فنانه توزن الكفة المايلة، وتكون خارج التوقعات، لكن لم يسعفه الهرش، وقرر أن يعود لمنزله ويستحمى، يمكن ربنا يفتح عليه، واعتذر من المسؤول الكبير، وقال له برجاء يقترب من التوسل:
أمهلني ساعة، أو اتنين بالكتير، وحارجعلك باسم مايخطرش على بالك، يخللي الرياسة تفرح بسيادتك وبتفكيرك السديد.
وغادر أحمد مسرعا إلى منزله، وهو شارد الذهن مشلوح البال، وبمجرد أن دخل من باب الشقة، بدأ في خلع ملابسه بسرعة شديدة، وشاهدته زوجته على هذا الحال، ففرحت، وزغردت، ظنا منها أن ربنا فتحها عليها، وتذكر أن له زوجة، لها عليه حقوق، غير الأكل والشرب والملبس، لكن سرعان ما خاب ظنها عندما نظر إليها شذرا، وقال:
بتزغرتي على إيه يا وليه؟ إنسي اللي في بالك ده خالص، وبطلي قلة أدب بقى.
ثم اختفى داخل الحمام، وجلس على قاعدة التواليت ليقضي حاجته، بينما ترك صنبور البانيو مفتوحا حتى امتلأ، وغطس فيه بعد أن أفرغ أنبوبة من سائل الفقاعات، واخذ وضع الاسترخاء والتفكير! وراح يستعرض أسماء الممثلين والمطربين، وبتوع السيرك، عله يجد اسما، يحدث التوازن المطلوب أو يكون خارج الصندوق اللعين، وقال لنفسه: وماله الصندوق اللعين؟ ما إحنا ياما خرجنا منه أسماء كانت ميته، وبفضل الله عملت شغل ونفعت، ثم وهو إحنا عندنا غيره؟! هو صندوق واحد، الكل بيدب إيده ويطلع منه، من أيام السادات، لحد النهاردة.. أربعين سنة والصندوق مفتوح وشغال مابيقولش لأ، وكأن فكرة جهنمية قد لمعت في رأسه، وبدأت أجهزة الإنذار تدق في كل خلاياه، ويتردد داخله، اسم يرن ويرن.
السادات.. السادات أيوه يا واد هو ده، هي دي الأفكار، يا سلام عليك يا حمادة.. أنت واد عبقري ماجابتكش ولادة.
كان قد اعتاد أن يدلع نفسه، ويزهو بها ويتملقها وينافقها كلما لم يجد أحدا لينافقه، وكانت الفكرة التي خطرت على باله، خارج الصندوق فعلا، وتعتبر بجميع المقاييس فكرة جهنمية بنت حرام.
خرج من الحمام بلبوص، ودلف إلى حجرة النوم، حيث كانت زوجته تجلس في الفراش لديها قليل من الأمل، لكنها وجدته يسارع بالبحث عن ملابس داخلية نظيفة، وأدركت نيته الأكيدة في تجاهل رغباتها، فأطالت النظر إليه، وانتابتها حالة هيستيرية من الضحك، أعقبتها حالة من البكاء الشديد!
وصل إلى مكتب المسؤول الكبير، وقبل أن يدخل عليه، كتب اسمها في ورقة، وكان يبتسم وهو على ثقة أن الرجل سوف يصاب بدهشه لم تحدث له طوال معرفته به!
وأطال الرجل في النظر إلى الورقة التي لم تكن تضم إلا اسما واحدا، وكأنه لا يصدق، أو يكذب عينيه، ثم يرفع عينيه عن الورقة وينظر إلى الجالس أمامه، وكأنه يبحث في قاموسه اللغوي عن كلمة تحمل معاني الغضب والاحتقار والتأنيب والوعيد، ولما كانت حصيلته اللغوية لا تضم إلا المتعارف عليه بين سائقي الميكروباص والتوكتوك، فتح فمه وصرخ قائلا:
– أنت أكيد اتجننت في ميتين أهلك؟ أنت عايزهم يقفلولنا الجهاز ويسرحونا، وقبل ما يسرحونا يجزوا رقابينا، ويعلقوها على باب رئاسة الجمهورية؟ إيه اللي جاب الوليه دي على بالك؟ فكرت فيها إزاي قولى؟ ولا تكونش متآمر عليا، وعايز تطيرني من مكاني، انطق قبل ما أطلع المسدس وأفرغ في دماغك الست رصاصات مرة واحدة!
وحاول \”أحمد\” أن يخرج صوته بصعوبة، وأدرك أنه إن لم ينجح في إقناع الرجل بأن هذا الاختيار رغم غرابته، إلا أنه الاسم المطلوب لتعتدل كفة الميزان، فإنه مقض عليه لا محالة.
– إديني الأمان عشان اعرف اشرحلك يا افندم.. صدقني أنا بعمل لمصلحة الجميع، والاسم اللي مش عاجب سيادتك ده، أنا اخترته لعدة أسباب وجيهة، أرجو أن يتسع صدرك لسماعها.
أولا: الولية دي عندها فوق السبعين سنة.. يعني محدش حايقول إننا مختارين نسوان سمعتها بطالة ورجالة فرز تالت، وثانيا: إحنا حنواجه هناك مظاهرات من المهاوييس بتوع رابعة، وأتباع الإخوان، يبقى لا يفل الحديد إلا الحديد، وزي ما سيادتك عارف إن الولية دي، كانت من أول اللي دخلوا التيار ده، أيام الزعيم المؤمن، وكانت نجمة الطرب الحمدلله أيام السادات، وهي اللي حجبت نص نسوان الوسط الفني.. حقيقي نصهم خلع الحجاب بعد كده، لكن هي تمسكت بالحجاب، وكانت بتدي دروس في جامع ابوها، قبل ما تنقل أكتوبر.
وقال المسؤول ببعض الغباء: وإيه علاقة ده كله باللي إحنا فيه؟! إحنا عايزين ناس تهلل وتظيط للرئيس، والست دي مافيهاش حيل خلاص، ثم إنها خارج السرب خالص.
– يا افندم أنت ناسي ماتشات الكورة اللي كنا بنكسب فيها بالعافيه؟ مين اللي كان بيغني ويشجع وصوته بيلهب حماس الجماهير؟ أنت ناسي المصريين أهم؟ ثم أعداؤنا اللي بيروجوا أننا بنضطهد الإخوان، والناس بتوع ربنا، مش حايلاقوا حجة يقولوها.. صدقني الست دي هي اللي حاتوزن الكفة، عشان ماتبقاش المجموعة كلها هشك بشك!
– وبعد أن فكر مليا، وقلبها في رأسه شمالا ويمينا، وأخذ رشفة من فنجان القهوة السادس، ابتسم أخيرا، وقال لأحمد:
– تخيل إنها فكرة مش بطالة يا أحمد.. يظهر يا واد إنك لما روحت البيت.. المدام روقتك وخلتك تعرف تفكر مظبوط.. برافو عليك، ده أنا كنت ناويلك على نية سودة، بس ربنا بيحبك.
واسترد أحمد أنفاسه، وابتسم وقال لسيده:
الفضل يرجع لتوجيهات سيادتك يا باشا.. أنت اللي قولتلي فكر خارج الصندوق، وده خلاني أسيب الصندوق وأدور في السرداب.