ماجدة خير الله تكتب: الأوسكار تمثال سخيف معجون بدماء المبدعين

 

السيناريست دالتون ترامبو.. أحد ضحايا المكارثية

هل سمعت يوما عن دالتون ترامبو؟ أراهن أن نسبة كبيرة من القراء لم تكن تعرفه قبل أن تنتج عنه السينما الأمريكية فيلما يُعد من أهم ما تم إنتاجه هذا العام، حيث تم ترشح بطله \”بريان كراستون\” لأوسكار اأفضل ممثل في دور أول، بعدما يزيد عن أربعين عاما من وفاة \”دالتون ترامبو\” 1970 قررت هوليوود، أن ترد لة الاعتبار وتنتج فيلما يحمل اسمه\”Trumbo\”، وهو من كان واحدا من  أشهر كتاب السيناريو في سنوات الأربعينيات والخمسينيات، وأغلاهم أجرا، غير أن إنقلابا حدث في حياتة وقلبها رأسا على عقب، بل نستطيع أن نقول إن انقلابا حدث في المجتمع الأمريكي كله وأدخله في فترة سواد ظلامية عرفت فيما بعد بالحقبة المكارثية، نسبة إلى جوزيف مكارثي عضو الكونجرس في الفترة ما بين 1947- 1957، حيث تبنى فكرة البحث في ضمائر الناس واتهامهم بالعمالة والتجسس والعمل على تخريب البلاد \”الولايات المتحدة\”، لمجرد اعتناقهم أفكارا غير تلك التي كانت سائدة في المجتمع الأمريكي آن ذاك!

عشرات من الشخصيات العامة تعرضت لمحاكمات ظالمة ومهينهة، لمجرد انضمامهم للحزب الشيوعي الأمريكى! وطبعا كانت الفئة الأقرب للاتهام هي الأدباء والمفكرين وبعض الفنانين وكتاب السيناريو، فقد كان الخوف من قدرة هؤلاء على التأثير في الجماهير!

سوف تشعر أن الفيلم وكأنه يتحدث عما يحدث في مصر الآن، مع بعض الفروق، حيث يتحول كل مواطن إلى مشروع ضحية، يعاني من الاضطهاد، وربما يزج بة في السجن، وتقفل دونه كل أبواب الرزق لمجرد أنه صاحب رأي يختلف عما هو سائد، هذا الاتجاة الذي فرق بين الناس وجعل بعضهم يشي بالبعض الآخر لينال مجدا أو مكسبا مؤقتا على حساب حرية وحياة الآخرين!

أحداث فيلم \”ترامبو\” مأخوذة عن كتاب يحمل اسم كاتب السيناريو الشهير، قام بتأليفه، بروس كوك، وكتب له السيناريو جون مكنمارا وأخرج الفيلم جاي روش، تبدأ أحداث الفيلم في عام 1947 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودخول الولايات المتحدة في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتى، وينشأ في أمريكا الحزب الشيوعي الذي ينضم إليه كثير من الشخصيات العامة، منهم كاتب السيناريو دالتون ترامب، الذي شارك في الحرب، وعاد إلى بلاده ليمارس مهنته التي برع فيها، ورغم ثرائه وحياته المترفة التي صنعها من جهدة وعملة في مجال السينما، إلا أنه كان يسعى للعدل الاجتماعى، ويشارك في المظاهرات التي تطالب بحقوق العمال، ولكنه فجأة أصبح متهما، بترويج أفكار هدامة ضد أمن الولايات المتحدة، ويتم التحقيق معه، فيرفض الإجابة على أسئلة رآها مستفزة وفي غير موضعها، كما رفض التهم المنسوبة إليه، فوجد اسمه ضمن القائمة السوداء التي تضم عشرة من العاملين في مجال السينما في هوليوود، وتم تحريم التعامل معهم نهائيا، وأغلقت دونهم أبواب الاستوديوهات التي صنعت ثروات من أفلامهم، والأخطر من ذلك أن بعض نجوم السينما المعروفين الذين شاركوا في أفلام كتبها ترامبو، قاموا بالوشاية به، ومنهم \”جون واين\” الذي كان يلقب بالدوق، وهو بطل مجموعة من أفلام الكاوبوي الأمريكية التي كانت تلقى نجاحا تجاريا كبيرا في فترة الخمسينيات،.

وفي لقاء جمع النجم الشهير وكاتب السيناريو دالتون ترامبو، قال الأول للثاني بغطرسة ولهجة اتهام متعالية: أنت تعمل على هدم المجتمع بأفكارك تلك التي تتبناها، فرد عليه تراميو بهدوء: أنا شاركت في الحرب فعلا، بينما كنت أنت تحارب على الشاشة فقط، وتصنع بطولات وهمية.. أنت لا تعرف كيف ترفع سلاحا حقيقيا، ولا تعرف مواجهة الأعداء، بينما أنا كنت معرضا للموت عشرات المرات.

تنتهي المحاكمات الهزلية باعتبار دالتون ترامب، خائنا وعميلا، ويسعى لهدم المجتمع وترويج أفكار هدامة، والمثير للسخرية والشفقة أيضا، أنه يصبح منبوذا من القتلة المحترفين، لأنهم يعتبرونة خائنا للبلاد، وبعد سنوات من المهانة، يخرج من السجن،  ليبحث عن أي مجال للعمل ليحمي أسرته المكونة من زوجته وثلاثة من الأبناء، ولأنه لا يجيد غير حرفة كتابة السيناريو، فقد اتفق مع أحد كتاب السيناريو المغمورين أن يمنحه بعض أعماله ليضع عليها اسمه، ويبيعها لشركات الانتاج ويتقاسمان الأجر، وكان أول سكريبت يبيعه ويضع علية اسم غيره، هو \”إجازة في روما\”، الذي لعبت بطولته أودري هيبورن وجريجوري بك، وهو الفيلم الذي اقتبسته السينما المصرية وقدمته باسم \”يوم من عمري\” بطولة عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت، وتخيل حجم المرارة والعذاب عندما يجلس دالتون ترامب ليتابع حفل الأوسكار على الهواء، وهو يجلس في منزله وسط أسرته، ويجد أن فيلمه قد حصل على أوسكار أفضل سيناريو، وأن شخصا آخر، هو الذي استلم الجائزة باعتباره المؤلف الحقيقى! ويتكرر الموقف للعام الثاني على التوالي ويفوز فيلم The brave one  بجائزة أفضل سيناريو، ليتسلم الأوسكار شخص لم يكتب حرفا في السيناريو الفائز!

اكتفي \”ترمبو\” بما يحصل عليه من أموال، ليحمي أسرته من شر الحاجة، ويضمن لها مستوى معيشي محترم، واضطر للموافقة على تصليح سيناريوهات رديئة كتبها غيره مقابل أجر ما، وكان ما يفعلة يتكرر مع كتاب سيناريو غيره، من ضمن من عانوا من الاضطهاد نتيجة أفكارهم وآرائهم المختلفة، وهذا ما دفعة بوصف الأوسكار بأنه مجرد تمثال سخيف من الذهب، معجون بدماء بعض المبدعين!

وفي ضربة حظ غير متوقعة، وبعد عشرة سنوات من المعاناة، طرق منزل دالتون ترامبو الممثل الشهير كيرك دوجلاس، ليطلب منه أن يكتب له سيناريو فيلم \”سبارتاكوس محرر العبيد\”، ورغم الضغوط التي قام بها البعض على النجم الهوليوودى، إلا أنه أصر أن يكتب اسم دالتون ترامبو على تيترات الفيلم، ويمنحه حقة الأدبى، وقامت صحفية شهيرة لعبت دورها بعبقرية \”هيلين مورين\” بتدبير حملة شرسة ضد فيلم \”سبارتاكوس\”، لمجرد أنه يحمل اسم \”ترامبو\”، غير أن الأقدار كان لها رأي آخر، حيث حضر الرئيس الأمريكي جون كيندي عرض الفيلم، وأثنى عليه، وكان هذا إعلانا بنهاية كابوس المكارثية، وعودة المبدعين المغضوب عليهم للعمل في شركات الانتاج الهوليوودية، ليكملوا مسيرتهم، ولم يثبت أن أيهم كان عميلا ولا خائنا حتى يومنا هذا!

وبعد سنوات من وفاة ترامبو، تمت إعادة تيترات الأفلام التي قام بكتابتها ووضع اسمه عليها.

وفي عام 1966 قدم المخرج الفرنسي \”فرانسوا تروفو\” فيلمة \”451 فهرنهايت\” مستلهما الفترة السوداء لسنوات المكارثية، وملاحقة المبدعين وأصحاب الفكر، فكانت الأحداث عن مدينة ما، تقوم بمداهمة بيوت الناس لمصادرة الكتب وجمعها وحرقها جميعا، لأنها تحرض الشعب على التفكير والاعتراض!

فيلم \”ترامبو\” من الأفلام التي تترك في النفس غصة، وحالة من الألم، فإهانة أصحاب الفكر وإلقائهم في السجون وقطع أرزاقهم جريمة لا تغتفر ولاتسقط بالتقادم أبدا، واتمنى أن تنتج السينما المصرية في يوم ما أفلاما عما تعرض لة الشاعر العبقري نجيب سرور أو المفكر فرج فودة أو إسلام البحيرى، أو أحمد ناجي.. آخر ضحايا اضطهاد الفكر والإبداع، وأتمنى أن يأتي هذا اليوم قريبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top