ماجدة خيرة اللة تكتب: عمو رأفت.. بيسلم عليك

(قصة قصيرة ساخرة)

كان يشعر بنوع من التوجس وهو مقبل على رئاسة \”اللجنة\”، وسأل نفسه سراً، لماذا قبلت تلك التوريطه، وتذكر مكالمة المسؤول الكبير قوي،   الذي استدعاة إلى مكتبه صبيحة إحدى الأيام، وقال له بمنتهى الجدية: إحنا قررنا نعيد أمجاد التليفزيون المصري، قررنا نسترد مكانتنا، صحيح إحنا لينا سيطرة على جميع القنوات الخاصة، لكن برضه مش حانسيب تليفزيون الدولة يموت كده، ويبقي خازوق واقف على حيله، مليان جثث بتتحرك وناس بتاخد مرتبات بتوصل لملايين من غير ما يبقى فيه أي تأثير.. الناس نسيت إن فيه قنوات تليفزيون مصري، ولا إنت إيه رأيك؟

باغته السؤال! وبلع ريقه ونظر في عين المسؤول الكبير قوي، فوجد فيها عزما تصميما، فقال في نفسه، يكونش ناويين يرجعوا وزراة الإعلام وبيفكروا يدوهالي، ياريت.. أهو يبقى اسمي طلعت بحاجة.. ده أنا بتاعهم، وأنا الوحيد اللي ما استفدتش من الميغة.. يمكن اكتشفوا إنهم محتاجين لخبراتي ونزاهتي، وقبل أن يستطرد في أفكاره، قطعها عليه المسؤول الكبير قوي وقاله: تفتكر.. إيه اللي ناقصنا عشان ننافس القنوات الخاصة؟

أجاب وهو غير متأكد من الإجابة.. يمكن الصدق.. قصدي يعني إن الناس تثق تاني في اللي بيقدمه التليفزيون المصري.

ويبدو أن المسؤول الكبير قوي لم يكن في حاجة لاجابتة فقال له، انت بتشوف الاعلانات اللي على الكباري وفي الميادين الكبيرة … أجاب الرجل .. اعلانات اية سيادتك؟

وهنا رفع المسؤول الكبير قوي صوته لأول مرة، وشخط فيه: جرى لك إيه؟ أنت مش معايا خالص.. أنا بكلمك في موضوع خطير، وأنت شارد الذهن؟! بقولك مش بتلاحظ أي حاجة وأنت ماشي على الكباري.. مش بتشوف إعلانات؟

أجاب الرجل، وهو بالمناسبة أستاذ جامعي جليل.. باشوف إعلانات طبعا.. ما هي الإعلانات مالية الدنيا، بس يعني حضرتك بتقصد أي نوع منها؟

قال المسؤول الكبير بنفاذ صبر.. المذيعات.. المذيعات هن مفتاح النجاح.. كل قناة جايبة شوية بنات يحلوا من على حبل المشنقة.. إشي شقرا وإشي سمرا وإشي خمرية.. المذيعة هي اللي بتفتح شهية المشاهد إنه يتابع قناة أو يهرب من قناه، وأنت عارف تليفزيونا بقى فيه ربات بيوت مش مذيعات.. أنا مش عارف لموا النسوان المضروبة دي كلها منين؟! آدي آخرة الواسطة والمحسوبية والهباب، جابونا ورا ولاد الكلب.. كانت أيام كلها فساد!

ثم اضاف وهو ينهي اللقاء.. باختصار.. أنا عايز نرجع للتليفزون أمجاده، ونختار شوية مذيعات نقاوة، على ذوقك طبعا.. أنت راجل فاهم.. عايزين بنات تليق بسمعة مصر.. جمال وثقافة وأناقة وخفة دم، تبقي تبص كده على مذيعات لبنان، وتشوف لنا حاجة قريبة من كده.

ثم انتفض واقفا، ومد للرجل يده، معلنا نهاية اللقاء، وكأنه كلفه بمهمة خطيرة، وقال له: عايزك ترفع راسنا بقى.. أنا اختارتك أنت بالذات للمهمة دي، ومش عايزك تخذلني!

بمجرد أن تم الإعلان عن اسمة رئيسا للجنة اختيار المذيعات، انهالت عليه المكالمات التليفونية، من الأصدقاء والمعارف، والجيران.. كل هؤلاء لهم بنات، يرغبن في العمل كمذيعات! وكل واحد، يحلفه بكل المقدسات أن يختار ابنتة دون غيرها لأنها الأفضل والأنسب، وأحدهم راح يصف محاسن ابنته ويعدد مميزاتها، ويؤكد له أن المحروسة ولدت كي تكون مذيعه، وأنها منذ نعومة أظافرها، كانت تقف أمام المرآة وفي يدها كوز ذرة، وتتصور نفسها بتقدم برنامج مع أكبر الشخصيات السياسية!

قبل أن يدخل اللجنة، قرأ المعوذتين ومزق الورقة التي تحمل بعض الأسماء، لفتيات تم التوصية عليهن من قبل بعض المسؤولين، وعقد العزم أن يكون محايدا، ونزيها!

إن عملية إحياء التليفزيون المصري قد ألقيت على عاتقه، ولابد وأن يكون على قد المسؤولية.

الفتاة الأولى كانت تعاني من \”خنف\” واضح جدا، وكان يحاول أن يضبط أعصابه حتى لا ينفجر من الضحك في وجهها، لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من الدهشة، والتساؤل: كيف جرؤت هذه الفتاة على أن تتقدم لامتحان المذيعات؟!

لكن دهشته اختفت تدريجيا، عندما تذكر نوعية المذيعات اللائي يظهرن على شاشة التليفزيون المصري.

والثانية كانت تشبه فيفي عبده، لما ظهرت في مسرحية \”حزمني يا\”، والثالثة تصلح لمؤاخذة، والرابعة شبه سماح أنور، والخامسة تشبه أبو تريكة!

معقولة.. بقى دول اللي حاينقذوا التليفزيون المصري؟! جرى إيه يا عالم! فين البنات الحلوة اللي بنشوفها في القنوات الخاصة؟!

وظل يعاني ويتعذب وكاد اليوم أن ينتهي دون أن يجد بين المتقدمات واحدة تبل الريق أو فيها أمل، وجاء الدور على فتاة جميلة.. البداية تبشر بأنها يمكن أن تنجح، فهي تتمتع بوجه جميل.. ملابسها تدل على أنها تنتمي إلى وسط اقتصادي مرتاح، وبدأ مجموعة أسئلة في الثقافة العامة، وسألها: تعرفي إيه عن أوباما، فأجابت بثقة: يبقى الرئيس الامريكي طبعا.

هايل.. شعر بنوع من الرضا، لأن من سبقنها من المتقدمات للامتحان لم يعرفن الإجابة، وجاء السؤال الثاني: مين أول رئيس جمهورية يحكم مصر؟ ترددت الفتاة كثيرا، وقالت بعد عناء وطول تفكير: رمسيس الثاني موحد القطرين!

لأ يا بنتي.. افهمي السؤال كويس، وركزي.. أنا باسألك عن أول رئيس مصري في العهد الحديث، وبعدين رمسيس الثاني مش هو اللي وحد القطرين.. دكهة اسمه مينا، وصاحت وكأنها تذكرت المعلومة.. آه اللي لابس على دماغة عمة من دورين.. افتكرته.

وألح في السؤال: يا آنسة ممكن تجاوبي على السؤال، فقالت له: مفيش إختيارات؟

لا يا ستي مفيش إختيارات، لومش عارفة الإجابة، قوللي عشان نخش في السؤال اللي بعده، فصمتت قليلا وقالت: على فكرة \”عمو رأفت\” بيسلم عليك، وبدهشة قال: عمو رأفت مين؟! على كل حال نشوف سؤال تاني: مين عميد الأدب العربي؟ صمتت ولم ترد، وظهر عليها بعض التوتر، وقالت له: لو سمحت يا أستاذ.. أنا ماليش في السياسة، اسألني في الفن.. أنا ناوية ابقى مذيعة في قناة السينما، وعندي معلومات كتير في السينما.

تظاهر بأنه لم يسمعها، وسألها: مين مؤلف \”دعاء الكروان\”، و\”الأيام\” و\”الوعد الحق\”، و\”الحب الضائع\”؟

ازداد توترها، وردت بعد فترة.. يا أستاذ عمو رأفت بيسلم عليك، ونظر إلى عينيها، فوجد نظرة تحد وإصرار، وكأن من تقف أمامه ليست فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، لكنها امرأة نمرة.. شديدة الشراسة.. نظراتها تحمل الكثير من التوعد، وشعر أنها سوف تفاجأه بتصرف ليس على البال، فهي غير كل من تقدمن للمسابقة.. إنها أكثرهن إصرارا، وثقة بنفسها رغم جهلها الشديد، وضحالة معلوماتها، ثم مين عمو رأفت اللي بتتهددني بيه كل شويه ده؟! قد يكون رجل أعمال من أصحاب النفوذ، ومنفد على رجال السياسة.. قد يكون واحد من جهة سيادية!

مهما يكن.. لن أستجيب لمحاولتها، ولن تكون من الناجحين إلا لو أثبتت جدارتها واستحقاقها للوظيفة، لكن شيئا ما في نفسه جعله يخشى هذه الفتاة، وخاصة أنها تلوح له باسم عمورأفت!

وسرح بعيدا للحظات، وتذكر \”طانط كيمت\”، التي كان رشدي أباظة يحلف بحياتها في فيلم \”الرجل الثاني\”، لم تظهر \”طنط كيمت\” في الفيلم مطلقا، ولم نعرف حتى الآن تبقى مين بالظبط؟ ولا كانت تقرب إيه لرشدي أباظة؟ كل ما أوحى به الفيلم، أنها شخصية لها تأثير كبير على \”رشدي أباظة\”.. قد تكون عمته، أو خالته، أو مرات أبوه اللي ربته، لكن اسمها يشي بأنها من أصول عريقة، ولها نفوذ، وغيابها المقصود عن أحداث الفيلم، يمنحها غموضاً مخيفاً، فالإنسان يخشى ما لا يعرفه، والمجهول يثير دائما حالة من الرهبة في النفوس، وهو ما حدث للأستاذ كلما ذكرت الفتاة اسم عمو رأفت، فقال في نفسه: أحسن لي على كل حال أن ألم نفسي، فالفتاة سوف تصل إلى ما تريده شئت ذلك أم أبيت، ولأكمل الحكاية بشكل يبدو به أنني صاحب القرار، حتى لا تعاتبني نفسي بعد ذلك، أو اشعر بنوع من القهر.

استقر رأيه عند هذا القرار، وعزم أن يطرح عليها أسئلة غاية في السهولة.. تتفق مع ضحالتها الثقافية وجهلها الواضح، ثم قال لنفسه – حتي يخلي مسؤوليته عن قبول فتاة مثلها لعمل يتطلب خبرات وإمكانيات خاصة- هو أنا يعني اللي حا اصلح الكون؟! ما هي الدنيا خربانة خربانة، ومثل هؤلاء هما اللي واكلينها والعة، ثم التفت إليها، ووجدها قد استغلت فترة شروده التي طالت، وهي تتحدث في تليفونها المحمول بصوت هامس، وقال لنفسه: أكيد بتكلم عمو رأفت، ويمكن تكون بتقوله إني باسألها أسئلة صعبة، وأكيد عمو رأفت زعل مني، ويمكن يكون من هذا الصنف اللي مايعرفش التفاهم، ومن الجائز جدا، بل هو أمر قريب الاحتمال أن يكون قد أرسل بعض البلطجية، ليقوموا بتأديبي.. يا نهار أسود.. لازم اتصرف حالاً، وأنقذ نفسي من هذا المصير المخيف.. أنا إيه اللي خلاني اتهور وأعمل فيها صاحب مبادىء، ثم اعتدل في جلسته، وتنحنح، حتى يلفت نظرها، ويؤكد لها أنه مستعد لتكملة الأسئله، فأغلقت تليفونها المحمول ورمقته بنفس نظرة التحدى، وابتسم لها كي يمتص غضبها وقال لها بكل ما يحمل من قدرة على النفاق والود المصطنع والمداهنة: نرجع لموضوعنا.. قولي لي اسم آخر حاجة عملها أحمد عز؟

سألته الفتاة بثقة.. أحمد عز بتاع الحديد ولا أحمد عز بتاع زينة؟ فأجاب الرجل في يأس: قولي اللي تعرفيه يا بنتى.

ابتسمت الفتاة بسعادة وانتصار، وانطلقت في الإجابه، وقد دلت ملامح وجهها ونظراتها على حالة من الرضا، واستفاضت في الإجابة، وحكت لة تاريخ حياة أحمد عز من أول ما ظهر مع إيناس الدغيدى، لغاية إعلان فودافون.

قال لها: برافو.. إنتي هايلة والله، ولملمت أشياءها وسحبت حقيبتها، وهي تغادر القاعة في سعادة، دون أن تلتفت إليه، وقد استقر في يقينها أنها نجحت تماما في الاختبار، وسوف تحقق حلم حياتها وتصبح مذيعة تليفزيونية، وبعدها ممكن تمثل في المسلسلات زي نجلاء بدر وريهام سعيد، وقبل أن تصل إلى باب القاعة، إذا به يستوقفها في رجاء ويقول لها: لو سمحتىي يا آنسة، ولما التفتت إليه قال لها: والنبي تبقي توصي عليا عمو رأفت!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top