ماجدة خيرالله تكتب: "The founder".. طريق النجاح مفروش بالطموح والكفاح وبعض النذالة

المؤسس أو The founder للمخرج \”جون لى هانكو\”، واحد من الأفلام التى أغفلتها ترشيحات الأوسكار، وفى رأيي أنه أهم كثيرًا من فيلم the fences لدينزل واشنطن، وأن الدور الذى قدمه مايكل كيتون أصعب كثيرا وأكثر قيمة مما قدمه دينزل واشنطن، ومع ذلك فإن \”المؤسس\” رغم عدم ترشيحه لأي جوائز هذا العام إلا أنه يستحق التأمل والاهتمام بالإضافة للإعجاب.

قصة الفيلم مأخوذة من تفاصيل حياة \”راى نوك\”، مؤسس سلسلة محلات الوجبات السريعة ماكدونالدز، رغم أن فكرة تقديم الوجبات تعود فى بدايتها للأخوين \”ماك وديك\” اللذين فكرا فى عمل ما يشبه عربة أو كشك لتقديم ساندويتشات الهامبورجر سريعة التجهيز، لتخدم عشرات الجماهير فى دقائق معدودة، بعيدا عن تعقيدات المطاعم التقليدية، فلا توجد موائد يجلس عليها الزبائن، ولا أطباق ومعالق، يتم غسلها مئات المرات، الفكرة تعتمد على تقديم ساندويتش هامبورجر بمواصفات خاصة فى كيس ورقي يحمل اسم المحل ماكدونالدز، ومعه بعض البطاطس المقلية بطريقة خاصة أيضا وكوب من الورق المقوى يحمل شراب اللبن المخفوق، وعلى الزبون أن يأخذ طعامه ويجلس فى سيارته أو فى مكان بعيد أو يعود به إلى منزله، الفكرة كانت غريبة فى بدايتها، وهو ما لفت نظر \”راى كروك\” أو مايكل كيتون، الذى كان يجوب الولايات حاملًا خلاطا ضخما، يحاول بيعه للمطاعم، ولكنه لم يكن يحقق مكاسب تناسب المجهود الذى يبذله فى إقناع أصحاب المطاعم بقيمة وفاعلية الخلاط! ولكنه فى يوم يفاجأ بإتصال من أصحاب محل ماكدونالدز يطلب ثمانية خلاطات دفعة واحدة، لتلبية طلبات الزبائن على اللبن المخفوق \”الميلك شيك\”، وقتها أصيب \”راى كروك\” بدهشة بالغة وهو يجد طوابير من البشر يقفون أمام المحل لشراء ساندويتشات الهامبورجر، ويأخذه الفضول لمعرفة سر الساندويتش الذى يتهافت عليه الناس بهذه الكثافة، وعندما عاد لمنزله بدأت الأفكار تتقافز فى رأسه، وعاد للأخوين \”ماك وديك\” بعد أيام ليعرض عليهما فكرة أثارت إعجابهما، وهى عدم الإكتفاء بمحل واحد لماكدونالدز والسعى لعمل سلسلة من المطاعم، لها نفس المواصفات فى أنحاء أمريكا.

ويكون التخوف الأول من عدم القدرة على الإشراف على مدى الجودة كلما كثر عدد المطاعم فى أنحاء الولايات المتحدة، ولكن \”راى\” يؤكد لهما أنه سوف يكون حريصا على اختيار مديرى تلك الفروع، على ضمانته، وسوف يكون متابعا ومشرفا على طريقة تقديم الساندويتشات بنفس درجة الجودة ونفس المواصفات، ولكن بعد أن يشارك \”راى\” الأخوين فى استغلال الاسم التجارى (ماكدونالدز)، فى عدد لا باس به من المحلات، يكتشف أنه لا يحقق مكاسب بالقدر الذى يليق بالجهد الذى يبذله، وخاصة أنه قام برهن منزله للبنك، ليعوض بعض الخسائر، التى نتجت لتعنت الأخوين، ورفضهما إجراء أى تطور، على المشروع، ولأنه يحمل روح مقاتل لا حدود لطموحه وخياله، فإنه بعد أن يستمع لنصيحة أحد رجال البنوك، يدرك أن أهم خطوة كان يجب عليه أن يتخذها، هى أن يمتلك الأرض المقام عليها مطاعم الوجبات السريعة، وهكذا يخرج من تحت سيطرة الأخوين، فلا يبقى لهما إلا الاسم التجارى، الذى استطاع أن ينتزعه أيضا، ببعض الجهد والذكاء والدهاء!

فى الحقيقة، شخصية \”راى\” شديدة الثراء دراميا وتحمل كثيرا من التقلبات، وكانت تحتاج إلى ممثل فى قيمة مايكل كيتون، وقد يصف البعض ما قام به \”راى\” بالخسة والنذالة، ولكن للشخصية ما يبرر تصرفاتها، فقد بدأ المشروع بنية تحقيق مكاسب لجميع الأطراف، ولكن الأسلوب التقليدى فى الإدارة الذى كان يتبعه الأخوان، ماك وديك، كان كفيلا بإفساد المشروع أو تلجيمه، حيث كان بينهما فرق سرعات واضح، \”راى\” يقفز، بل يركض ويكاد يطير، بينما الأخوين يتحسسان كل خطوة ويتراجعان، قبل إكتمالها، وكما هو معروف فى المثل الدارج \”المركب اللى ليها أكثر من ريس بتغرق\”، ولذلك قرر \”راى\” أن يدير المركب بنفسه، ويستبعد كل ما يعوق نجاحه، حتى لو كانت زوجته!

قد يمتلك الإنسان ثروة لا يدرك قيمتها أو كيف يديرها ليحصد الجميع مزايا، فإذا تعارضت المصالح، كان الأكثر قدرة على إدارة تلك الثروة أو المشروع من له الغلبة، بشرط ألا يسبب خسائر للآخرين، وبالنسبة لمشروع ماكدونالدز فلو أطلقنا الخطوط على استقامتها، فإن مصير محل بيع ساندويتشات الهامبورجر الذى كان يمتلكه الأخوان، مصيره الفشل بعد وفاة أحدهما أو كليهما، أو عدم قدرتهما على متابعته وإدارته، ولكنه بعد أن تحول إلى سلسلة محلات تغطى كل مناطق الولايات الأمريكية وتخرج منها إلى العالم، أصبحت فكرة ومشروعا غير قابل للهزيمة، لأنه لا يعتمد على شخص واحد ولا اثنين، ولكن على جيوش من البشر تستفيد منه وتحرص على الحفاظ على مواصفاته.

الفيلم يعتمد على الإيقاع السريع الذى يتفق مع تطور الفكرة، والسيناريو الذى كتبه \”روبيرت دى سيجيل\” يمتاز بالإهتمام بالتفاصيل ودقة رسم الشخصيات، والصراع فى الفيلم رغم شراسته، إلا أنه يعتمد على الذكاء وبعض المكر، ولا يصل إلى الصدام، أي أنه صراع تحت جلد الشخصيات، كل يحاول أن يحافظ على وجهات نظره ومكاسبه، ورغم أن المشاهد يدرك من البدايه أن الأمور سوف تنتهى إلى نجاح \”راى\” فى فرض وجهة نظره، وتحقيق حلمه، إلا أن تفاصيل رحلة النجاح شيقة للغاية، بالإضافة لبراعة الحوار الأخّاذ، الذى يحمل سخرية لاذعة وتهكما وجملا قصيرة، قوية التأثير.

ويحقق مايكل كيتون خطوة لصالحه فى أداء شخصية راي، وينافسه كل من جون كارول لينش، ونيك أوفرمان فى دورى الأخوين ماك وديك.

واضح الحرص الشديد من طاقم العمل على خلق أجواء مطابقة للفترة الزمنية التى دارت خلالها الأحداث، من حيث الملابس والسيارات وديكورات المنازل، من الداخل والخارج، وطبعا ديكورات محلات ماكدونالدز ومطابخها، والأكياس التى تقدم فيها الساندويتشات، وغيرها من التفاصيل الدقيقة.

ومن المعلومات الطريفة حول الفيلم أن الُمرشح الأول لدور \”راى\” كان توم هانكس، ولكنه اعتذر لإنشغاله بتصوير فيلم \”سولى\”، أما الإخراج فكان الترشيح الأول للأخوين \”كوين\” ورغم إعجابهما بالسيناريو، لكنهما أيضا إعتذرا لإنشغالهما بتصوير \”هال سيزار\”.

والمدهش أن تصوير الفيلم لم يستغرق أكثر من 22 يوما فقط، بواقع ثماني ساعات عمل باليوم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top