كانت كل علاقتي بالسويد، تكمن في إعجاب مبكر بسينما المخرج إنجمار برجمان، والجمال الراقي للممثله إنجريد بيرجمان، وفتنه أنيتا اكبرج بطلة فيلم \”الحياه لذيذه\” للمخرج الإيطالي فيلليني، ثم تطور الأمر لانبهار وعشق لفريق \”الآبا\” الشهير، ثم توقفت العلاقه تماما عندما وقعت في الحب من جانب واحد، مع سياره الفولفو وعجزت عن الحصول عليها! ولم افكر يوما، ولم أسع لزيارة السويد، حتى تلقيت دعوة من \”محمد قبلاوي\” مدير مهرجان \”مالمو للسينما العربية\” للمشاركة في لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية، مع كل من المخرج الفلسطيني \”فجر يعقوب\”، والناقد والكاتب المغربي حماد جيروم، وقمت بالاستعداد للرحله وأنا لا أعرف شيئا عن \”مالمو\”، ولا أين تقع على الخريطة، واكتشفت أن الوصول إليها يحتم رحله طويله تقطعها من القاهرة إلى فرانكفورت بألمانيا – 5 ساعات- ومنها إلى كوبنهاجن بالدانمارك تقطعها في ساعتين، ثم تذهب بسيارة أو قطار إلى \”مالمو\” بالسويد تقطعها في عشرين دقيقه.
بعد الرحلة، استقبلتنا مدينة مالمو بجمالها وهدوئها ومبانيها عريقه الطرز، واختفاء المباني الشاهقه تقريبا، وكأنك تتحرك بين شوارع المعادي قبل أن تدهسها أقدام الدهماء.
الأوتيل الذي نقيم به، له شخصية مميزة، حيث تشعر وكأنك في بيت العيلة، واكتشفت بمجرد وصولى، وجود زملاء وفنانين ونقاد ومخرجين وكأن جزء جميلا من مصر قد انتقل معك إلى مالمو.
هذه هي الدورة الخامسة للمهرجان، الذي يحاول مديره محمد قبلاوي أن يجعله أهم حدث ثقافي وفني يفتح مجالا للتعاون بين العالم العربي والسويد، وقد نجح هذا العام، في إقامة مسابقة لدعيم وتمويل المشروعات السينمائية مع إحدى المؤسسات السويدية، وتقدم لتلك المسابقة عشرات المخرجين، تم اختيار خمس منهم لعمل مقابلة مع لجنة تحكيم مكونة من المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وممثلة عن المؤسسة السويدية، والعبد الفقير لله، وكانت المشروعات المقدمه من تونس والمغرب وفلسطين والأردن، وتعجبت لماذا لا يتمتع صناع السينما عندنا وخاصة من هم في بداية الطريق، بأي نوع من الطموح وروح المغامرة، للمشاركة في تلك المسابقات، التي لا تشترط سوى جودة وجدية المشروع، وقد تم اختيار مشروع سيناريو فيلم \”الجميلة والكلاب\” للمخرجة التونسية الشابة \”كوثربن هانيا\” وموضوعها مأخوذ عن واقعة حدثت بالفعل، عندما تعرضت فتاة شابة لاغتصاب من رجل شرطة، وعندما حاولت أن تشكو مغتصبها، تجد تواطؤا شديدا من زملائه، ومحاولة لإدانتها واتهامها بإغوائه وتلفيق قضايا لها ولأسرتها، \”وكأنها تحكي عن واقعه تحدث في مصر\”.. المهم أن المخرجة الشابة قدمت أوراقا تضم وصفا لكل شخصية، بالصور، مع إسكتشات لأماكن التصوير المقترحة، وكان لديها الوعي والثقافة والثقة لأن تجيب على كل استفسارات وتساؤلات لجنة التحكيم، وفازت بدعم يساوي خمسة عشر ألف يورو، بالإضافة لحصولها على دعم من جهات عدة.
الأفلام هذه الأيام لا تنتجها جهة واحدة، لكن تشارك في الانتاج جهات عدة، بعضها يقدم خدمات فنية، والبعض الآخر يقدم أموالا، المهم أن السويد تدخل هذا المجال للمرة الأولى، وهو تدعيم السينما الجادة، كما تفعل فرنسا وإيطاليا، وبلجيكا والإمارات وقطر!
مسابقة الأفلام الروائية يشارك فيها 13 فيلما، منها فيلم الافتتاح \”سكر مر\” للمخرج هاني خليفة، الذي حضر إلى مالمو ومعه من أبطال الفيلم أحمد الفيشاوي وأمينه خليل، وفيلم \”بتوقيت القاهرة\” للمخرج أمير رمسيس، ويعرض في الختام، بالإضافه لفيلم \”عيون الحرامية\” للمخرجة الفلسطينية \”نجوى نجار\” وبطوله خالد أبو النجا.
ومن أهم الأفلام الروائية التي شاهدتها \”أنا نجوم عمري عشرة سنوات ومطلقه\”، وهو فيلم يمني من إخراج \”خديجة السلامي\”، وهو عن فتاة صغيرة لم تكمل العاشرة، تفاجأ في يوم وهي تلعب مع زملائها بالمدرسة بوالدها يسحبها من يدها، ويعطيها لرجل في نصف الثلاثينيات، يضعها في سيارة ويصطحبها إلى بلدته الجبلية، ولا تفهم أنه قد تزوجها، وفي المساء يحاول أن ينال حقه الشرعي، فتفزع الفتاة، وتحاول الهرب، فينهال عليها ضربا، ويتكرر الموقف، حتى تضطر للهرب، وتذهب للمدينة تبحث عن المحكمة، مطالبة بالطلاق، وتتبنى قضيتها واحدة من منظمات حقوق الإنسان، وتحيل قضيتها للرأي العام، بينما يتمسك الزوج بما يتصوره حقا له، ويدعي أنه تزوجها بموافقة الأب وعلى سنة الله ورسوله!
الفيلم صادق وصادم، والطفلة التي لعبت دور البطولة تخطف القلب فعلا، واعتقد أن لجنه التحكيم صعب أن تغفل قيمة هذا الفيلم.
لجنه تحكيم الأفلام الروائية الطويلة مكونة من المخرج محمد خان، والناقد اللبناني محمد رضا، والناقدة الجزائريه نبيله رزايق.
أما جائزة أفضل فيلم تسجيلي، فذهبت للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي عن فيلم \”رسائل من اليرموك\”.