في العادة يعبر النقاد عن رأيهم بعد انتهاء عرض الأفلام، في المهرجان، بالتصفيق أو التصفير، في الحالة الأولى تعبيرا عن الاعجاب، وفي الثانية تعبيرا عن الاستياء، لكن بعد إنتهاء عرض فيلم \”سبوت لايت\”، حدثت عاصفة من التصفيق استمرت عدة دقائق!
الفيلم عن قص حقيقية، وهذا وحده ليس ضمانا لجودته، فهناك أفلام كثيرة مأخوذة عن وقائع تاريخية، لكنها كانت بالغة السوء.
القيمة في \”سبوت لايت\”، تنبع من خطورة القضية المثارة، ومن جدية تناولها، ومن روعة أداء فريق العمل، الذي بدا في حالة من التناغم والانسجام.
الفيلم من اخراج \”توم مكارتني\”، وهو صانع سينما، يعني هو منتج، وكاتب سيناريو، وممثل ومخرج أيضا، ويكفي أن تعرف أنه كاتب قصة فيلم الرسوم المتحركه \”UP\” الذي عرض في افتتاح مهرجان كان السينمائي لعام 2009 في الواقعه الأولى من نوعها، ومخرج فيلم THE VISITOR الذي رشح عنه، ريتشارد جينيكيز لأوسكار أفضل ممثل، وكان من الأفلام النادرة التي تنتصر لصورة العربي المسلم، وتتهم الإدارة الأمريكية بالتعنت ضده، بعد أحداث سبتمبر، وسوف تجد اسم توم مكارتنى، أيضا ضمن فريق العمل في أفلام \”سيريانا\” لجورج كلوني، و\”اللعبة العادلة\” لشون بين، وفيلم \”قضيه مايكل كليتون\” لجورج كلوني وتيلدا سويني، بمعنى أن اختيار توم مكارتنى، لقصة \”سبوت لايت\” ليقوم باخراجها والمشاركة في كتابة السيناريو، لابد وأن تتوقع معه فيلما يثير الجدل والاعجاب معا!
قضية الفيلم حدثت، عندما وضع فريق التحقيقات الصحفية، بجريدة \”بوسطن جلوبال\” يده على موضوع خطير، وهو أن قساوسة الكنيسة الكاثوليكية، يقومون بالاعتداء الجسدي على الأطفال، وأن هذا الأمر المسكوت عنه، تتم ممارسته لأكثر من ثلاثين عاما، أدت إلى ظهور جيل من الرجال والنساء يعانون من الارتباك النفسي، دون أن يستطيع أي منهم البوح بما حدث له في الطفولة!
الفيلم يعتمد على أسلوب البحث التليفزيوني، الذي يهتم في المقام الأول بالبحث عن الحقيقة، دون اللجوء إلى الأسلوب البوليسي، التشويقي، أو الإثارة بأي شكل، كأن يتعرض فريق البحث لمخاطر أو تهديد من أي نوع، فالموضوع يحمل من الإثارة والتشويق ما يغنيه عن الافتعال، أو إضافة بهارات قد تفسد جدية الموضوع، وخاصة أنه يتعامل مع أكبر مؤسسة دينية كاثوليكية، ومع قضية حقيقية!
طبعا.. البحث استمر لأكثر من عام، لمعرفة أسماء الضحايا، وأين وصل بهم الحال، والأهم من ذلك البحث عن أسماء القساوسة المدانين، مع خطورة الأمر وما يمكن أن يشكله من صدمات لمجتمع يمنح الكنيسة قداسة خاصة.
فريق البحث يمثله من النجوم مايكل كيتون \”رئيس تحرير البوسطن جلوب\”، وكل من مارك رفاللو، وريتشيل أدمز، محررين، أما ستانللي توسي، فيمثل محامي بعض ضحايا الانتهاك الجسدي.
ينتهي الأمر بالوصول إلى وثائق تضم أسماء أكثر من مائتين من القساوسة، تورطوا في حوادث انتهاك جسدي ضد الأطفال خلال ثلاثين عاما!
هل تبحث عن الحقيقة؟ أم تبحث عن احترام مؤسسة دينية عريقة؟ هذا السؤال تم توجيهه أكثر من مرة، لرئيس تحرير البوسطن جلوبال، وربما هذا ما جعله يتردد بعض الشىء، لكنه أمام الجهد المبذول، من فريق قسم التحقيقات، لم يجد أمامه غير الانحياز للحقيقة، ليتم النشر، وفضح المؤسسة الدينية العريقة.
تقدر تعمل فيلم مصري يتعرض لمؤسسه الأزهر؟ طبعا من غير ما تفكر.. ماتقدرش، فنحن في مجتمع لا يحترم الحقيقة، لكن يمنح قداسة وهمية، لكيانات تستحق كشف النقاب عن بلاويها وكوارثها.
في التترات النهائية لفيلم \”سبوت لايت\”، يتم عرض أسماء القساوسة المتهمين بالتحرش بالأطفال والاعتداء الجنسي عليهم، وأثناء عرض الأسماء، ضجت صالة السينما بالتصفيق في قاعة العرض في مهرجان تورنتو.
الأسوياء ينحازون دائما لكشف الحقيقة.