ماجدة خيرالله تكتب: "قبل زحمة الصيف".. في زمن القبح ينزعجون من المرأة الجميلة.. ولا مانع من التلصص عليها

 

يصعب أن تتفهم السبب الذى يجعل شخصا ما، ينزعج جدا، لمجرد مشاهدته لرجل وامرأة يتعانقان وتجمعهما قُبلة واضح أنها تمت برضا الطرفين؟ إيه اللى يضايق حد فى مشهد زى كده؟! سواء كان هذا يحدث فى الحقيقة أو على شاشة السينما؟!

تقدر تقول إنه المشهد المفتاح للعلاقات بين شخصيات فيلم \”قبل زحمة الصيف\” للمخرج محمد خان، حيث يراقب د. يحيى \”ماجد الكدوانى\” من خلال نظارته المكبرة، شاب وفتاة تدل ملامحهما على أنهما خواجات، كانا يمرحان على الشاطىء الخالي من الرواد، ويحدث أن يقوم الشاب بتقبيل الفتاة، ويبدو أنهما فى حالة استمتاع، ولكن هذا يثير ضيق د. يحيى لسبب ما، فينادى بسرعة الواد جمعة \”أحمد داوود\” حارس الشاليهات الصعيدى ليتصرف، فيقوم جمعة بدوره \”بهشهما\” وطردهما خارج الكومباوند! والمدهش أن د. يحيى لم يفعل ذلك إنطلاقا من غيرته على الأخلاق، ولا -لا سمح الله- لأنه شخص محافظ! فهو يقضى معظم وقتة يتابع صورا لنساء يرتدين ملابس ساخنة  على الإنترنت! وفى نفس الوقت لا يكف عن  مراقبة جارته \”هنا شيحه\” فى الشاليه المقابل، والتلصص عليها  فى لحظات إستمتاعها بحمام شمس على الشاطىء!

ما حدث مع د. يحيى ومع جمعة الحارس الصعيدى، هو نفس رد فعل كثير ممن شاهدوا الفيلم، أو ممن اكتفوا  بمتابعة التريلر الدعائى، وربما يكون هذا ناتج من اعتياد الناس على نوعية من أفلام التى طغت على انتاجنا السينمائى خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث سيطرت أجواء العشوائيات والمناطق الشعبية، وما تقدمه من نماذج بشرية لا تخرج عن شخصية البلطجى، أو تاجر المخدرات، والمرأة المنحرفة أو القابلة للإنحراف، واصبح القبح بقصد أو دون قصد، هو المسيطر على حياة المصريين، ولذلك فهم  يشعرون بالدهشة والارتباك أمام الجمال فى أى صورة من صوره، وخصوصا إن كان متعلقا بامرأة!

فى رواية إحسان عبد القدوس \”البنات والصيف\” التى كتبها فى الخمسينيات من القرن الفائت، وتحولت بعض فصولها إلى فيلم سينمائى، من ثلاث قصص، لا يربط بينها إلا شواطىء الأسكندرية، ومجموعة من الشخصيات القادمة من القاهرة لقضاء إجازة صيف سواء على الشواطىء الراقية مثل المنتزه والمعمورة، أو الشواطىء الشعبية، ولعبت هذه الحكايات على الحالة النفسية التى يكون عليها البشر، حين يتركون همومهم ومشاكلهم، حيث كانت، طمعا فى وقت يقضونه فى المتعة والمرح، والتخفف من ضغوط الحياة، ومن الملابس أيضا.

الشواطىء فى أى مكان فى الدنيا تعنى ثيابا مختلفة، لا تصلح للاستخدام فى الحياة العادية، هى ثياب للشواطىء نطلق عليها مايوه، وكانت أفلامنا القديمة تقدم نماذج من الواقع، عن حياة الناس على الشواطىء، وكنا نستقبل هذه الأفلام بما يليق بمستواها الفنى، ونستمتع بها فى حال جودتها، دون أن نشغل أنفسنا بكون البطلة ترتدى \”مايوه\”، أو تظهر بشورت فقط! ولم يكن احترام الفنان يقاس بما يرتديه بالأفلام، ولكن بدرجة إجادته للأدوار التى يلعبها.

ومع بداية الألفية الثالثة، حدث شيء ما فى تركيبة المجتمع المصرى، وبالتالى انعكس على السينما، حيث اختفت مشاهد المايوهات من على الشواطىء، واصبح مألوفا أن تشاهد جلاليب سوداء منتفخة بفعل المياه، تملأ شواطىء البحار، وتعلن عن حالة من القبح سيطر على الذوق العام!

البعض يهاجم فيلما لم يشاهده، إذا لمح فى مقدمته الإعلانية امرأة ترتدى \”مايوه\”، بغض النظر عن القيمة الفنية والفكرية للموضوع، وهذا ما حدث مع فيلم \”قدرات غير عادية\” للمخرج داود عبد السيد، ومع فيلم \”قبل زحمة الصيف\” للمخرج محمد خان، والذى بدأ عرضه الأربعاء قبل  الماضى.

الفيلم عن سيناريو لـ غادة شهبندر، كتب المخرج فكرته، وشارك فى صياغة السيناريو.. شخصيات الفيلم محدودة، ولكن يحمل كل منها ملامح قطاعا كبيرا من المجتمع.

تدور الأحداث على أحد شواطىء الساحل الشمالى.. المستوى الاقتصادى للأبطال يؤكد أنهم من الطبقة المتميزة، المرفهة، لكن هل هذا يعنى أنهم بلا مشاكل أو أزمات نفسية واجتماعية؟!

يقودنا إلى الحدث، شخصية جمعة \”أحمد  داوود\”، وهو شاب صعيدى يعمل على خدمة أهل القرية السياحية، ويتفانى فى خدمتهم، عسى أن يستعين به أحدهم أو يكلفه بمهمات خاصة، أو يعرض عليه فرصة عمل، خصوصا أنه يتقن عدة مهارات، منها السواقة التى تعلمها أثناء فترة تجنيده فى الجيش، وهو يعمل –مؤقتا- فى فترة ما قبل زحمة الصيف بديلا عن شقيقه الذى حصل على إجازة للزواج.

يذهب جمعة للمدينة صباح كل يوم، ويعود بالجرائد وبعض طلبات لأهل القرية.. الزمن الذى تتحرك فيه أحداث الفيلم، لا يزيد عن عدة أيام،  شخصيات الفيلم محدودة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، أهمها دكتور \”يحيى\” أو ماجد الكدوانى، الذى  يهرب إلى الساحل الشمالى، بعد مشكلة حدثت فى المستشفى الخاص الذى يشارك فى ملكيته من الباطن، ويتابع عن بعد أخبار التحقيقات التى تدور فى المستشفى، بعد حدوث بعض المخالفات المهنية.

د. يحيى من تلك النوعية التى تعشق الجمال، ويراقبه عن بعد، ولكن ليس لديه الشجاعة للاقتراب، وهو متزوج من ماجدة \”لانا مشتاق\”، وهى نموذج للمرأة أو الزوجة النكدية، التى تفتقد لجمال الروح والشكل، ولا تحاول أبدا أن تشارك زوجها فى أى نشاط يفضله.

الحياة بين الزوجين رتيبة مملة، يقطعها الزوج بالفرجة على صور المانيكانات، والجميلات اللائى يرتدين المايوهات، ولكنه يقلع مؤقتا عن هوايته فى البحث عن صور النساء على الإنترنت، ويتفرغ لمراقبة هالة \”هنا شيحة\”، وهى امرأة فاتنة تقيم فى شاليه بالقرية السياحية، وقد جاءت بمفردها لتسمتع بالهدوء، وتهرب من بعض مشاكلها الأسريه، وتقضى وقتا ممتعا مع رجل تحبه، ولكنه يستغلها!

تنتاب د. يحيى حالة من الفضول لمعرفة حياة هالة وتحركاتها، ولا يكف عن سؤال جمعة عن أحوالها.. الجميع يراقبون هالة، سواء يحيى وزوجته، أو جمعة الذى يجد فيها ما يداعب خياله ويثير شهيته.

مع تفاصيل بسيطة نتعرف على عالم وتاريخ كل شخصية، وأزمتها وصراعها الداخلى.

الفيلم لا يحوى إنقلابات صادمة، ولا صراعات معلنة، وصعوبة الأمر تكمن فى قلة الشخصيات والأحداث، ومع ذلك فالمشاهد يجد نفسه وكأنه الطرف الخامس الذى يتابع كل ما يجرى، ومحاولات كل شخصية للاقتراب أو البعد عن بقية الشخصيات!

أكثر  الشخصيات  التى تثير التعاطف هو جمعة، هذا الشاب الصعيدى الذى أنهى فترة خدمته العسكرية، ويحاول بشتى الطرق أن يبحث لنفسه عن مكان تحت الشمس، يعيش وسط بشر من مستوى أعلى كثيرا من أحلامه، ويتفانى فى خدمتهم حتى يضمن أن يظل قريبا منهم، ولكنه يفشل فى العثور على فرصته، ويعود فى نهاية الأمر إلى حيث ينتمى.

أحمد داوود يحقق مع كل دور يلعبه خطوة ملحوظة للأمام.. إنه ممثل بارع يدرس جيدا طبيعة الشخصية من داخلها وخارجها، ويمنحها الكثيرمن ذاته. \”هنا شيحة\”، شاطرة وتعاملت بذكاء مع مشاعر امرأة مطلقة تقترب من خريف العمر، وتحاول أن تتعلق بأهداب السنين، وتستمتع بما هو متاح، ورغم جمالها وثرائها، إلا أنها تفشل فى إيجاد الأمان مع رجل تحبه!

\”ماجد الكدوانى\”، يثير الدهشة والإعجاب بحضوره الطاغي، واهتمامه بتفاصيل كل شخصية يقدمها.

من أجمل مشاهده، وهو يرجو زوجته أن تفتح له الباب الذى أوصدته دونه وتركته خارج الشاليه فى ليلة ممطرة.

من عناصر تميز الفيلم كاميرا فيكتور كريدى، ومونتاج دينا فاروق، موسيقى ليال وطفة.

المخرج محمد خان يسيطر بروحه المرحة على كل تفاصيل الفيلم، وجمالياته، وشخوصه وأحداثه.

مشاهد إعداد الطعام لها طقوس خاصة فى بعض أفلام محمد خان، باعتباره أحد أهم متع الحياة، وكما كانت مشاهد الطعام مميزة جدا فى فليم \”خرج ولم يعد\”، سوف تجدها أيضا مثيرة للمتعة فى فيلم \”قبل زحمة الصيف\” رغم اختلاف البيئة الاجتماعية للشخصيات فى الفيلمين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top