ماجدة خيرالله تكتب: شد سكينة الكهربا عشان العيال تتربى

قصة قصيرة ساخرة

جلس المسؤول الكبير، ينفخ سيجاره الكوبي، اللي أطول من سيجار فريد الديب، وبدا عليه الضجر والعصبية، ونفاذ الصبر، ثم أخذ يزرع غرفه مكتبه ذهابا وأيابا، كأنه فرخة تتأهب لوضع بيضها! ودخل عليه سكرتيره، ويده اليمنى اللي تستاهل القطع، وكان يتصبب عرقا، وقال له:

– الدنيا بره نار يا باشا، وكنت ناوي أرّيح في البيت، بس حسيت من صوت معاليك إن فيه حاجة خطيرة، فقلت آجي هوا.

– أيوه فيه حاجة خطيرة، ولو ماكنتش شامم ريحة الشياط، تبقى ما تنفعش في الشغلانه دي \”يا سيد\”، إحنا الدولة بتستعين بينا عشان مناخيرنا بتشم المصايب قبل ما تحصل، وعيونا ولا عيون زرقاء الحمامة.

– اعتقد إنها كانت يمامه معاليك، بس ياريت تتكرم عليا وتقولي إيه اللي أنا ماشمتوش، عشان أبقى في الصورة، وتأكد أن أي مخلوق مضايقك، حايباد تماما بإذن الله.

– الناس فكت خالص \”يا سيد\”، فيه حالة سيوله في البلد، كل واحد ماشي بدماغه، والعيال السفلة بتوع الفيس بوك فاكرين إنهم ممكن يهزوا الدولة، ويأثروا في الرأي العام، فاكرين إنهم بعيد عن إيدينا.

– طيب بس افهم إيه الحكاية؟

– أنت إيه نايم على ودانك، مش بتشوف مستوى التدني في الحوار وقلة الأدب والألفاظ السوقيه، دول بيتريقوا ع الكبير قوي.

– معقولة؟ بيترقوا على أحمد مكي ليه؟ ده ولد مجتهد وبيضحكني شخصيا!

– مش أحمد مكي يا حمار.. اقعد يا سيد،عشان افهمك اللي مش قادر تفهمه لوحدك.

وجلس\”سيد\” وقد فتح فاه على آخره، حتى أصبح عرضة لدخول أي حشرة عابرة في الغرفة، وكأنه يتلقى العلم من فقيه، أو شيخ سلفي، لا يقبل الجدل، رغم السخائم التي يطلقها لسانه.

– شوف يا سيد.. الشعب اللي يتريق على أسياده، يبقى شعب عديم الرباية، ومش خايف من حد، وأول ما الناس تبطل تخاف، يبقى قول ع البلد يا رحمن يا رحيم.. الخوف هو المفتاح الملكي للحكم.

– وتنهد \”سيد\” تنهيدة عميقة، وكأنه كان يستمع لوصله من أغاني الست، والله يا باشا كلامك لازم يدرس في الجامعات، فعلا الخوف هو المفتاح الملكي للحكم، بس زي ما معاليك عارف.. الشعب المصري ده مالوش ملكة.. مالوش مسكة.. الناس اتغيرت، وحالها اتبدل، زمان كان أهالينا يخافوا من سيرة العفريت، والجان، وابو رجل مسلوخه، دلوقت العيال الصغيره ما بتتكيفش غير من أفلام الزومبيز، ومصاصي الدماء، جيل إبن كلب.. اصحابهم يترموا في السجون ويموتوا من التعذيب، وبرضه بيلابط ويشاغب، ويقولك حرية وعدالة اجتماعية، وعايزين يعملوا راسهم بروس أسياد البلد.

– كويس \”يا سيد\”، ابتديت تفهمني.. العيال اللي ما بتخافش، دول مابيخافوش ليه؟ أخلاقهم باظت ليه؟ لسانهم طول علينا لينا؟ مش سايبين صغير ولا كبير في الدوله إلا مقطعينه تريقة وكلام أبيح ليه؟

– عشان ما اتربوش معاليك، ما هو لو أهاليهم عرفوا يربوهم، ماكانوش وصلوا لكده.

– طيب اللي أهله ماربهوش يا سيد نعمل فيه إيه؟

– اللي أهله ماربهوش، نربيه إحنا، معاليك.

– شوف إحنا لازم نرجع الفضيلة للبلد، ونخلي الناس تصلي العشا وتنام.

– ودي حانعملها إزاى؟ معاليك، ده أنا عندي العيال في البيت بتنام بعد الفجر، مش عشان لاسمح الله، بيصلوا، لا دول بيبقوا قاعدين يلاغوا بعض ع الفيس بوك، والسكايب.

– يبقى مفيش غير إننا ننكد عليهم، وعلى اللي جابوهم.. نرجعهم لعصور الظلام.. نسود شاشات التليفزيون، ونقطع الإنترنت

– بس لما عملناها المرة اللي فاتت، الناس هاجت علينا، وكانت الحكاية حاتتقلب على دماغنا.

– كانت حا تتقلب على دماغنا عشان ما اتعملتش بحرفنة، إحنا مش حنتفق مع شركات الإنترنت تقطع الخدمة، لكن كفاية قوي نقطع الكهربا، وأهو الصيف داخل والدنيا مولعة، نار، والحجة سهله وموجودة، إن استهلاك الناس للمكيفات زود الأحمال، وزياده الأحمال حاتؤدي إلى إيه يا سيد؟

– كلام معاليك آخر صح، بس كده إحنا حانفطس، واللحمه تعفن في التلاجة، ده أنا لسه جايب فخذة عشرين كيلو.

– ماتخافش يا سيد، إحنا في منطقه الأمان، أنا مجهز لك قائمه بأسماء العيال السفلة بتوع الفيس بوك، وعناوينهم، تروح للناس بتوعنا يشدوا سكينه الكهربا عن المناطق اللي ساكنين فيها، ونخلص من أباحتهم وطولة لسانهم، ما هو مش معقول تلتميت ربعميت واد وبت، يبوظوا أخلاق العالم، ويقلوا حياهم على سياد البلد.

– بس فيه حاجه جايز تكون غايبة عن معاليك، قطع الكهربا بيزود معدلات المواليد، وطبعا العيال اللي حاتيجى، في المناطق دي حاتبقى قليلة الرباية برضه، مش معقول نفضل قاطعين عنهم النور طول العمر!

– ماتخافش يا سيد، الناس اللي حاتقبل تعيش في الضلمه شهر واحد، مش حاتعرف تفتح عنيها في النور مرة تانية، بعد كده هم اللي حا يبوسوا إدينا نقفل عليهم النور!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top