ماجدة خيرالله تكتب: البحث عن فضيحة

قصة قصيرة ساخرة

 

اقتربت سيارة الوزير من المنزل المؤدي إلى ميدان لبنان، ولأول مرة من زمن بعيد، يرفع رأسه عن الجريدة التي اعتاد أن يقرأها أثناء الرحلة التي تقطعها سيارة سيادته من منطقة المنصورية إلى مكتبه بمنطقة التحرير، ولاحظ – ربما للمرة الأولى- أن قائدي الموتوسيكلات الذين يسبقون موكبه، يضع كل منهم يده على أنفه، ويحاول أن يجتاز تلك المنطقة بأقصى سرعة ممكنة، وسأل سائق سيارته عن السبب الذي يجعل الحرس يكممون أنوفهم، عند المرور بهذه المنطقة، وبعد طول تردد، أخبره السائق: أصل الريحة غير محتمله سيادتك.

بدت الدهشة على وجه الوزير، وتساءل: ريحة غير محتملة إزاى؟ أومال أنا مش شامم حاجة ليه؟

لم يجد السائق إجابة أفضل مما قالها: \”هو معقولة مناخير سيادتك تكون بتشم زينا مثل تلك الروائح؟\”

لكن سيادته راح يلف برأسه بعد أن دفع الستائر التي تغطي نوافذ السيارة، ليشاهد للمرة الأولى أيضا، تلالا من أكياس القمامة ارتفعت حتى كاد طولها يخفي المساكن، ويبدو أنه لم يكن يعتقد أن الحال وصل إلى هذه الدرجة من السوء! وكان أول شىء يفعله بعد أن استقر فوق مقعده الوثير في مكتبه الفاخر، أن استدعى \”سعد\”، وهو شاب من رجاله المخلصين، وسأله بلهجة تحمل كثيرا من اللوم: لماذا لم تخبرني يا \”سعد\” أن تلال القمامة ملأت شوارع القاهرة وأهم ميادينها، وأن رائحة العفن أصبحت تزكم الأنوف في كل مكان؟ وتردد \”سعد \”قبل أن يجيبه، وفكر في أن يستغل الفرصة كي يتملقه، وأخيرا قال له:

سيادة الوزير.. ما هو مش معقول أشغل جنابك بتوافه الأمور، وأجرح مشاعرك النبيلة بالحديث عن تلال القمامة ورائحة العفن؟ إن قلبي لا يطاوعني على ذلك؟

لكن الوزير لم ياكل الطعم، ولم تكن لديه رغبة في الإستجابة لحديث التملق، وقال لسعد:

إن تعمدك إخفاء حقيقة واضحة وضوح الشمس لكل ذي عينين، سوف يجعلني أبدو أمام خصومي وكأني في غفلة، أو أعاني من سفه، ولا أهتم بصحة الناس ولا صورة البلد.

لم يتوقف\” سعد\” عن النفاق، وازداد إصراره على أن يرفع عن سيادة الوزير أي إحساس بالمسؤولية أو الحرج!

لكن يا سيادة الوزير إن صحة الناس من إختصاص وزير الصحة، ونظافة البلد من إختصاص السيد المحافظ.. إن دورك أهم من ذلك بكثير.. أعانك الله عليه.

ولأول مرة يتساءل الوزير بينه وبين نفسه عن دوره.. ما هو دوري بالضبط؟

واكتشف أنه ليس له دور واضح.. إنه يذهب صباح كل يوم في موكب رهيب.. يعطل مصالح الناس ساعات طوال، ويعود بعد ذلك إلى قصره في المنصورية في موكب مهيب أيضا.. يعطل مصالح الناس عدة ساعات أخرى، دون أن يفعل شيئا مجديا، أو أن يكون له إختصاص واضح أو مسؤولية، يثاب إن قام بها أويُلام إذا تقاعس عنها؟ إنه شبح، أو خيال مآتة، أو شرابه خُرج.. نعم لقد آلمه كثيرا أن يكتشف أنه شرابه خُرج.. لا أحد يسائله أو يلجأ إليه، أو يشكره، ولذلك فقد قرر أن يفعل شيئا، يجعل سيرته على لسان كل الناس.

هرش \”سعد\” في رأسه، وقال له وكأنه عثر على حل جهنمي: سيادتك محتاج لفضيحة.. الناس تقعد تهري فيها شهر ولا اتنين؟

وتساءل الوزير بقلق يغلفه بعض الرضا:

فضيحه زي إيه؟ خد بالك أنا المدام عندي شديدة ومش عايز مشاكل معاها.

ما هو سيادتك يا إما تعيش في إستقرار مع المدام، ومحدش يدرى بيك، يا إما تبقى سيرتك على كل لسان.. اختار سيادتك وأنا تحت أمرك.

والفضيحه المطلوبه شكلها إيه؟

شوف سيادتك.. مثلا وزير الثقافة اللي قال للموظفه التخينة كلمتين، بقت سيرته على كل لسان؟ عايزين حاجة أجمد شوية من كده.

يعني أعمل إيه؟ أنادي أي موظفة وامسك صدرها؟!

لا سيادتك مش للدرجه دي.. إحنا نشوف حاجة مستفزة، زي حكاية مثلا الولية اللي خلعت هدومها في المطار.

تفتكر لو خلعت هدومي، حاتبقى حركة حلوة؟

لا سيادتك مش قصدي حركة خلع الهدوم.. قصدي حاجة تحصل في مكان مليان بشر، عشان الفضيحة تبقى بجلاجل، والناس تحتار في تفسيرها، وينقسموا بين مؤيد ومعارض، والكلام يكتر، والهري يشتغل، وتبقى في نظر البعض رجل عظيم بيخدم الوطن، وفي نظر البعض الآخر ابن كلب واطي لامؤاخذة سيادتك.

رشف \”سعد\”من فنجان القهوة عدة رشفات، وكأنه يستدعي افكارا جهنمية، سوف تنقذ الوزير من حاله التجاهل الإعلامي والشعبي التي يعيشها، وتهدد مستقبله السياسي، حيث اعتادت الدولة على الحفاظ على كل من تثار حولهم الأقاويل والشائعات، وياحبذا لو كانوا مدانين أخلاقيا ومتورطين فعلا في قضايا فساد!

وبعد طول تفكير، هتف \”سعد\” مثل أرشميدس، وقال للوزير: وجدتها.. وجدتها.

تهلل وجه الوزير فرحا، وانتظر سماع تفاصيل الخطة التي سوف تؤدي إلى فضيحة مدويه تغذي أجهزة الإعلام وتثير شهية مواقع التواصل الاجتماعي

شوف سيادتك.. إيه رأيك لو بنت حضرتك تتخطف من شوية بلطجية، ويطلبوا منك مليون دولار فدية، وحضرتك تروح تحررها بنفسك، على طريقه فيلم \”تاكين\” TAKEN بتاع ليام نيسون.

وبدا الغباء على وجه الوزير وقال له: يعني إيه ليام نيسون.. مين ده؟

وأجابه \”سعد\” بلغة العليم ببواطن الأمور: ده واحد العصابات ماورهاش شغلانه غير إنها تخطف بنته مرة، وتخطف مراته مرة، وساعات تخطفهم الاتنين، وهو ماشاء الله بيروح يرجعهم ويموت كل العصابة.

لكن إحنا حانعمل كده إزاى، ونجيب البلطجيه منين؟

يا افندم البلطجية على قفا مين يشيل، وكلهم تحت السيطرة.. إحنا نختار كام واد كده على قد إيدنا ونتفق معاهم، ونكرمش لكل واد منهم ورقه بميتين جنيه، وإن طمع نخليهم ورقتين، ونتفق معاهم على كل التفاصيل، وحضرتك تروح ومعاك شنطه فيها المليون دولار، وقبل ما تسلمهم الفلوس، تروح ضارب رصاص في الهوا تثير الذعر في النفوس، وتنزل في العيال ضرب كده وكده، وتاخد بنتك في حضنك، وتفتح شنطه الفلوس عشان الناس تتأكد إنك كنت ناوي تضحي بمليون دولار لإنقاذ بنتك.. كده نص الناس حايتعاطفوا معاك، والنص التاني حايقولوا، طبعا ما هو معاه فلوس زي الرز، ومش فارق معاه المليون دولار، وحسرة على الغلابة، والكاميرات تصور، والفيديو بتاع العمليه يغرق اليوتيوب والفيس بوك، والناس تقعد تهري في الموضوع لمدة شهر على الأقل، وقبل ما يهدوا نكون فكرنا في حكايه تانيه!

بس إنت مالي إيدك من الحكايه دي يا سعد؟

سيادتك دي فكره ماتخرش المية.. بس حذاري ثم حذاري تقول حاجة للمدام.. سيادتك عارف النسوان ما يتبلش في بقهم فولة، وطبعا كمان ماتقولش للهانم الصغيرة عشان كل شىء يمشي طبيعي.

وتساءل الوزير.. طيب ولو الشرطه شمت خبر واتدخلت في الأمر.. حايكون التصرف إيه؟

لا سيادتك إطمن خالص.. الشرطة مش حاتعبرك، حتى لو استنجدت بيها.. أصل سيادتك ولامؤاخذه مش من الوزرا اللي على الحجر! وبعدين هم مش فاضيين للحاجات الصغيرة دي.. المهم تنفذ الخطه حرفيا، وماتخرجش عن النص.

وفي اليوم المحدد، نفذ الوزير الخطة بحذافيرها، وذهب وحيدا في سيارته إلى المكان المتفق عليه، وجلس في سيارته حوالي ربع ساعة، وطلب رقم سعد، كي يسأله لماذا تأخر البلطجية في الظهور، وفين الكاميرات اللي حاتصور، خصوصا إن المكان كان هس هس، ومافيهوش صريخ ابن يومين، لكن موبايل \”سعد\” كان مغلقا! وفجأه ظهر مجموعة عيال بلطجية، وسحبوا سيادة الوزير خارج سيارته، وانهالوا عليه بالهراوات، وإدوله علقة موت، بينما هو يصرخ وينادي سعد كي ينجده، لكن لم يظهر سعد، وفقد الوزير الوعي، وكان آخر ما شاهده قبل أن يفقد وعيه، أحد البلطجيه فتح السيارة وأخذ شنطة النقود، وفتحها ليطمئن،على أن بها المليون دولار!

ولما استيقظ الوزير، وجد نفسه في أحد المستشفيات، مربوطا بالشاش، وذراعه في الجبس وساقه مرفوعة، وحوله كاميرات قنوات فضائيه تقوم بتصويره، وهو على هذه الحال، وضابط شرطه يسأله عن ملابسات الحادث، لكنه لم يستطع أن ينطق بكلمة، وظل يتساءل بينه وبين نفسه: أين ذهب سعد الكلب؟

وفي هذه الأثناء، أعلن الموبايل الخاص بالوزير، عن استقبال رسالة من رقم مجهول، وكانت تحمل كلمات قليلة، لكنها أدت إلى أن يفقد الوزير وعيه مرة أخرى.

تزوجت من ابنتك، وفي طريقنا إلى رحلة شهر العسل.. شكرا على تعاونكم \”سعد\”.

واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بفضيحة الوزير، اللي بنته استغفلته وهربت مع مدير مكتبه \”سعد\” بعد أن استوليا على مليون دولار!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top