في مسابقة مثل آراب جوت تالينت ARABS GOT TALENT،لا تصبح الحكاية مجرد فرجة على بعض أصحاب المواهب الذين يتسابقون من أجل الفوز بمبلغ محترم من الريالات السعودية وسيارة فاخرة، وهو أمر يستحق فعلا بالنسبة للمتسابقين، ولكن أنا اتحدث بالنسبة للمشاهد الذي لن ينال إلا قدرا من المتعة التي يقدمها هؤلاء الموهوبين، في مجالات شتى، وعلى جانب آخر أو من منظورآخر، فهذا النوع من المسابقات يعكس أحيانا جانبا مما أصبح علية الحال بالنسبة لعالمنا العربى، وعلاقتنا بعضنا البعض.
علينا أن نعترف أننا في مصر لا نتابع أي مسابقات فنية، ولا نتحمس لها، إلا إذا كنا طرفا فيها.. يعني يكون لنا متسابق، وياحبذا أكثر، من غير كده، يبقى يفتح اللة، وهو أمر أصبح مفهوما وبيتعمل له ألف حساب من جانب القائمين على البرنامج أيضا \”أي برنامج\”، لأن وجود مصري بين المتسابقين، يضمن كثافة المشاهده، والاهتمام الإعلامي، والتصويت، والجدل وكل شيء، يضمن رواج البرنامج، وأحيانا يصاب الواحد منا، بحالة ارتباك نفسي، وصراع بين أن يشجع اللعبة الحلوة أو صاحب الموهبة التي تستحق، ولا يشجع المتسابق المصري، حتى يكون مرتاح البال والضمير، لأن \”مصريتنا حماها الله\”، بالإضافة إلى أننا في عرض أي انتصار في أي مجال، ولو كان مجرد برنامج مسابقات فنية، وفي الحقيقة، لقد حسمت هذا الأمر من زمان بيني وبين نفسي، وقررت ألا انحاز إلا للموهبة التي تسعدني شخصيا، مع بعض التمنيات أن يحالف الحظ، المتسابق المصري، إلا هذا العام.
سوف يدهشك اعترافي بأني لم استسغ بتاتا، هذه الياسمينا، من أول ما فتحت بقها وغنت لأم كلثوم، وسيبك مما قالتة أحلام مطربة الإمارات عن أن صوتها مستعار، فهي أمرأة غلبانة تبحث دائما عن مساحة من الضوء ولو عن طريق استفزاز الآخرين، وسيبك كمان من استماتة نجوى كرم في الدفاع عن صوت ياسمينا، ووصفها إياه بأنه صوت خطير يصعب أن يجود الزمن بمثله، وإنها فرصتنا في اكتشاف أم كلثوم أخرى، فقد كانت نجوى كرم تدافع عن إختيارها، وخاصة وأنها منحت الفتاة المصرية الباز الذهبي، أما إحساسي الشخصي، فهو أن صوت ياسمينا مش مريح مطلقا، هو صوت ضخم وقوي، وتبقى مش عارف من أين يصدر بالظبط ، ولكن برضة مش دي العلة ولا المشكله!
المشكلة في البنت نفسها، كونها تبدو كامرأة مسخوطة، وترتدي ملابس داكنة تحاول أن تقترب بها من صورة أم كلثوم، رغم أن الاخيرة كانت ترتدي في حفلاتها الفساتين الخضراء والأورنج والذهبي، وكانت تعتبر امراة أنيقة بما يناسب عمرها.
أما الفتاة ياسيمنا التي أدخلوا في مخها أن صوتها يؤهلها أن تكون امتدادا لأم كلثوم، وهي لا تدري إن محدش بيدور على هذا الامتداد، ومحدش عايزه، ولا بيبحث عنه، لأن أم كلثوم قد تركت تراثا فنيا ضخما، ومتوفرا طوال الوقت لمن يهوى ويعشق صوتها، والأهم من ذلك أن أم كلثوم لم تكن مجرد صوت عبقري، ولكنها كانت دماغ وامراة شديدة الذكاء ومثقفة، تجيد اختيار الكلمة التي تغنيها، وقد عاشت بين أشعار رامي، وغيره من فطاحل الشعر العامي والفصيح.. الحكاية مش أغنية وكلام، ولكن أسلوب أداء ولعب مع الجمهور ومداعبته، وتاريخ من العشق .
أما ياسمينا فهي فتاة غلبانة في عقلها.. نتاج ثقافة مختلة، ومشوهه، وقد حاولت أن احبها أو اتعاطف معها وأن اقول لنفسي: إنها الصوت المصري الوحيد الباقي في المسابقة، بعد خروج ممثل البانتومايم، اللي مش فاكرة اسمه، ولكن بالحقيقة قلبي وعقلي لم يتجاوبا مع رجائي أبدا، بل كنت ازداد نفورا منها، دون أن اعرف الأسباب الحقيقية غير أنها صاحبة صوت بلا مشاعر، ولا إحساس، ومحدش يقولي ما هي لسة صغيره، وأكيد لم تمر بتجربة حب، لأن نجاة الصغيرة كانت تؤدي أغاني أم كلثوم وهي طفلة، وكانت تتمتع بمشاعر أقوي من صوتها ميت مرة، ونفس الأمر تكرر مع أنغام، فقد بدأت الغناء وهي في سن صغيرة، وحققت نجاحا لأن صوتها كان مغموسا في مشاعر دافئة نضجت مع الزمن، ولكنها كانت موجودة من البداية، أما تلك الياسمينا، فصوتها منزوع عنة أي مشاعر مطلقا، ولن ابالغ إن قلت إني كرهتها، كما كرهت أعضاء فريق التخت الشرقي القادم من غزة، فقد كانوا يستجدون مشاعر الناس بالبكاء عمال على بطال، وفي ظهورهم الأخير انخرط أحدهم في البكاء وهو يغني لفيروز أغنية لا تحتمل البكاء، مما دفع أحد أعضاء لجنة التحكيم أن يسألة عن سبب بكائة، فقال الفتى وهو لايزال يبكي: مش عارف!
ويبدو أن أهله فهموه أنه يمكن أن يكسب تعاطف الجمهور إذا انخرط في موجات من البكاء!
يفقد الفنان نص قيمتة أو ثلاثة أرباعها إذا تخلى عن كبريائه ولعب على وتر الاستجداء والشحاتة العاطفية، هو فيه أغلب ولا أفقر من شعب الصومال؟! لكن المتسابقة \”ماراوا\” لاعبة الهولاهوب، كانت تكتسب إعجاب الجمهور ولجنة التحكيم من خلال مهارتها وابتسامتها الرائعة التي لم تفارقها، في كل المرات التي ظهرت فيها.. طبعا هي لا تعيش في الصومال الغارقة في المجاعات والأوبئه، ولكن كان من الممكن أن تلعب على وتر التعاطف والمسكنة، ولكنها لم تفعل ولا غيرها فعل.. ما بتوع سوريا متنيلين وحالتهم بؤس، ولا توجد منطقة في العالم العربي إلا وهي تعاني أزمات لا حصر لها، لكن محدش لجأ إلى الاستجداء والاستعطاف غير فريق التخت الشرقي، والحمد لله أنه خرج من السباق في الحلقة قبل الاخيرة!
ونعود إلى ياسمينا التي توصلت أخيرا لأسباب عدم راحتي لها ولا إعجابي أو مساندتي لها، وارتحت جدا لهذا الاكتشاف.
أنا ممن يؤمنون أن الغباء أكثر سوءا من الفقر والمرض، وإذا أضفنا إلى الغباء قبح الروح واستعدادها للفساد، يبقى \”خلصت\”.. في ظهورها الأخير، في الحلقة الختامية من برنامج آرابز جوت تالينت، قالت ياسمينا المتسابقة المصرية: \”لقد أعددت للجمهور مفاجأة تختلف تماما عما سبق وقدمته\”، واعتقدت أنها سوف تعتق أغاني أم كلثوم، وتقدم حاجة لوردة الجزائرية، أو فايزة أحمد، أو عبد الحليم أو حتى عبد المطلب، ولكن كانت المفاجأة أنها قدمت \”برضه\” أغنية لأم كلثوم هي \”الأطلال\”.. مش هي دي المشكلة، يبدو أنها قالت لنفسها أو قال لها القائم أو القائمين على تربيتها، أن المسابقة تحت إشراف قناة سعودية، ولو يعني عملنا حركة كده، فيها بعض نفاق للتيارات المتأسلمة، ممكن تلقي صدي في النفوس التعبانة، وتخيل لما بت صغيرة سنها يادوب ستاشر سنة، وتقرر تغير كلمات الشاعر ابراهيم ناجي التي أنشدتها أم كلثوم مليون مرة دون أن تغير فيها حرفا، وتمايل معها الجمهور العربي من المحيط للخليج.. تقوم ياسمينا تقولك بتفاخر: لا تقل شئنا فإن اللة شاء! بدلا من فإن \”الحظ شاء\”، وفاكرة إن ربنا حايقف معاها ويخليها تكسب النص مليون ريال والعربية!
يا عزيزتي ياسمينا.. ربنا مش بتاع نفاق.. يمكن بتوع الخليج يصقفولك مرة، لكن آدي دقني إن نفعتى، أو شوفتي نجاح.