ليزا سعيد أبو زيد تكتب: "امنعوا النقاب".. حرية شخصية أم فرض معرفي؟

تتعالى الصيحات الآن منددة بما يجلبه النقاب من تمثيل غير حضاري لمصر أمام العالم المتقدم، بالإضافة إلى كم المشكلات التي يسببها في الأماكن العامة ونقاط التفتيش، فأنت تتعامل مع كائن مخفي لا تعلم ما يخفيه، وهذا أكثر ما يرعبك منه، فهو مهدد للأمن العام.

هذا جميل، ولكن لنفكر بشكل أكثر تحليلاً بالنسبة لموضوع النقاب والزي الإسلامي المتعارف عليه، واعتراض الكثيرين على جدواه لعصرنا الحالي، وهو عصر العلم.

وربما أيضا تصنيفنا من أكثر الدول تخلفا لهذه الأسباب، وأنه لكي نلحق بركاب التقدم يجب علينا أن نتحرر من مثل هذه الأمور المعرقلة للتقدم. هذا جميل، ولكن على صعيد آخر نجد المنتقبات يدافعن باستماتة عن معتنقاتهن الفكرية، وقناعتهن، ويعتبرن الرأي المخالف لهن هو اعتداء على الحرية الشخصية، وهذا أيضا جميل ولديهن كل الحق.

لو فكرنا تفكيرا علميا، سنجد الجميع على حق، فكل منهم لديه محتوى معرفي يؤمن به ويتصرف من خلاله، والمعروف علميا أن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة وأن المعرفة متغيرة باستمرار، فمن أين يحكم كل فريق على الآخر بعقم فكره وتخلفه.

تحليل لما هو واقع:

(1)

أصدر الأستاذ الدكتور \”جابر نصار\” رئيس جامعة القاهرة قرارا بمنع النقاب، جاء نصه كالتالي: \”اعتبارا من اليوم الأحد، الموافق 14 فبراير 2016، يحظر على القائمين على علاج ورعاية المرضى ارتداء النقاب أثناء أداء عملهن داخل مستشفيات قصر العينى والوحدات العلاجية التابعة لها، وكذلك مستشفى قصر العينى التعليمى الجديد \”الفرنساوى\”، ومستشفى الطلبة والإدارات الطبية والعلاجية، وذلك حفاظا على حقوق المرضى ولمصلحة العمل\”.

بالنسبة للدكتور جابر معه كل الحق أيضا، فالأستاذة التي تقف أمامك في المدرج متشحة بالسواد لتقدم لك مادة علمية أو فكرية ما، توصد عليك كل وسائل التواصل التي تستطيع أن تتلقى منها العلم والمعرفة، ولو كنت مريضا، وأجريت عمليه جراحية لتوك، وخارجا من البنج، وتفتح عينك ببطئ وتمهل لتجد أمامك كائنا أسود لا تعرف له هوية، فكيف سيكون موقفك؟ لنكون صرحاء ـ فالأمر مقبض ومخيف لدرجه كبيرة.

(2)

تقول الدكتورة الجليلة \”نوال السعداوي\” في رأيها عن هذا الموضوع \”إن المنتقبة تجد في نفسها سلعة جنسية فتخفي نفسها، وكذلك الراقصة تجد في نفسها سلعة جنسية فتعريها، لكن الصواب أن تكوني إنسانة طبيعية لا ترين في نفسك سلعة للعرض أو للتغطية والحجب\”، فلكل مقام مقال، ويكون اختياري لملابسي نابعا من الموقف، بمعنى للجامعة ملابس، وللمصيف ملابس مختلفة، وهكذا.

انقسم الرأى العام ما بين مؤيد ومعارض، والجميع متخبط: هل هي حرية شخصية أم ماذا؟ دعونا نبدأ من حيث بِدْء الأمر، بِدْء المعرفة والتشكل المعرفي للفرد.

التشكل المعرفي:

كيف نعرف؟ أو كيف تتشكل معرفتنا عموماً؟  يكتسب الإنسان المعرفة من خلال البيئة التي تربى فيها والإطار الثقافي الذي احتواه، بمعني لو نشأت في بيئة تؤمن بحقوق المرأة وتؤمن بالمساواة، سيكون بالطبع رأيي نابعا من هنا، وإن كنت نشأت في بيئة سلفية بالمعنى الإسلامي المتداول، سيكون النقاب فرضا، والمرأة خلقت للمنزل وطاعة الزوج وتربية الأولاد.

إذن، كل منا يمتلك معرفة مشوبة بالواقع الاجتماعي الذي ينتمي له، إلا إذا وعى ذلك جيدا وتحرر منه وبدأ في إعمال عقلة ليعرف هو، بعقله هو، وإرادته هو (أي إلا إذا أخرج بديهياته التي ألفى عليها نفسه ـ من حيز اللاشعور إلى حيز الوعي والشعور؛ ليبدأ الوعي القيام بعمله) هنا يمكننا أن نقول حرية شخصية، لأنها نابعة من إرادة حرة وليست موجهة.

النتيجة:

الموضوع ليس نقابا أو حجابا أو غيره، الموضوع هو منظور معرفي تشكل بالفعل، وسوف يدافع عنه صاحبه باستماتة، ولكن الحل هنا ليس رفع قطعة القماش التي تغطى الوجه أو الشعر، إنما هو أعمق من ذلك بكثير، إنه تغطية وعي وتعجيز وتعطيل عقل عن العمل، ونزع الفضيلة التي ميزنا بها الله سبحانه وتعالى ـ وهي التفكير- والذي دعت له الكثير من آيات القرآن  الكريم.

لكن ألا ترى أن هذا الموضوع هو عرض ناتج عن مرض.. مرض \”قصور الوعي\”، فالأجدى علاج المرض، ومن ثم سيذهب العرض والعكس غير مجدي، فما بالك بمريض مصاب بالحمى، وحرارته ترتفع بمرور الوقت، هل من المنطقي وضع كمادات الماء البارد لخفض الحرارة (التي لن تنخفض إلا لتعود ترتفع)، أم في البحث عن علة ارتفاع الحرارة ومن ثمّ علاجها؟ أيهما أسرع وأنجع نتاجا؟!

نعاني من الكثير من المشكلات والتي ترجع في معظمها إلى عدم وعينا الكافي بها، ولا معرفتنا بالطريقة الصحيحة التي من المفترض أن نتبعها لنصل إلى أفضل الحلول.. فقر أو فقد الوعي، والثقافة، والتفكير العلمي.. تلك أكبر مصائبنا.

ارفعوا درجة الوعي وحرروا الفكر ودعوه يتخذ طريقه ويختار.. افتحوا الآفاق.. انشروا العلم.. لا تفرضوا معرفة، ولا تعطوا نماذج صحيحة. دعوا العقل يعمل، فهو يمتلك أدواته، وتذكروا جيداً أن المعرفة المفروضة مرفوضة، وليس للفرض والجبر من طريق للتقدم، ولو كان صحيحا.

 

منذ أيام قلائل كنت أحضر ندوة لمفكر كبير وهو \”الدكتور إمام عبد الفتاح إمام\” أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، في مركز دال للأبحاث، بغض النظر عن المحاضرة الرائعة التي أُلقيت علينا، فأصباتنا بالسكر الفكري من فرط حلاوتها، ولا لعبارته الرنانة وهو يتحدث عن الديمقراطية والتقدم، إلا أنه ردد عبارة مازالت تترد على مسامعي: \”إن الرقي حينما يأتي إلى أمة يقف، ويطرق الباب ويسأل هل هنا فكر حر؟ فإن كان دخل وإن لم يكن رحل\”.. تأملوها جيدا.. فكر حر.

المعادلة بسيطة:

حرر الفكر تتحرر الإرادة، يعمل العقل يتفتح الأفق، ينتشر العلم تتقدم الأمم.. لا تعطي تعليمات ولا تفرض قناعاتك المعرفية على أحد، وإنما ارتق بمستوى الفكر حتى يدرك هو ما يجب عليه عمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top