ليزا سعيد أبوزيد تكتب: يؤمنون عقلياً بالمساواة ولكنهم يعجزون نفسياً

في كتابها الأكثر من رائع والمعنون \”المرأة والجنس“، بالصدفة تمكنت من الحصول على نسخه من الكتاب المطبوع في المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الثالثة 1974، نسخه قديمة جداً، أوراقها صفراء اللون. تشعرك وأنت تقرأها بعبق التاريخ بما تثيره الكلمات من جلال وهيبة.

لن أقدم عرضاً لكتاب د. نوال السعداوي، ولكن استوقفتني بدهشة المقولة المعنون بها المقال (يؤمنون عقلياً بالمساواة ولكنهم يعجزون نفسياً)، وهذا لا يعني أهميتها على حساب الأفكار التي يعج بها الكتاب، فهو ملهم ومليء بالأفكار الخصبة، ولكن لكل منا حاسة استشعار يتم اثارتها من قبل أجزاء دون أخرى.

حينما قرأت عبارة د/ نوال استحضر ذهني الكثير من المواقف التي مرت عليه، وظل يفكر فيها بعض الوقت، ولكن توقفت لعدم وضوح الصورة، وبعد قراءة كتاب \”المرأة والجنس\” تمثلت المشكلة أمامي ثانيةً، ولكن بشكل أكثر وضوحاً.

في عصرنا الحالي الكثير من المثقفين والمناصرين للمرأة والمطالبين بحقوقها وداعمين لها في مطالبتها بالمساواة، وعلى قدر عالِ من العلم والثقافة، ولكن كل هذا على مستوى التنظير، فدعنا ندخل حياتهم ونراهم عن قرب هل يمارسون ما يؤمنون به حقا أم ماذا؟

إليكم قصص من الواقع:

(1)

أستاذ جامعي، مثقف، تنويري، متسع الأفق ومن المؤمنين بحقوق المرأة، زوجته أستاذة وحاصلة على درجة الدكتوراه في إحدى الجامعات العريقة، كان يجلس أمامي نتحدث في أمر ما، وجاءته على الهاتف مندوبة تسويق لشركة متخصصة في فلاتر تنقية المياه، تسأله إن كان لديه فلتر أم لا، وإن لم يكن يمكنها أن تسوق له منتجا جيدا وبسعر مناسب أيضا، فكان الرد (أنا لا أعلم تحديدا إن كان لدينا أم لا، ولكن أتصور أن لدينا فلتر، ولكني لا أعرف عنه أي معلومات.. أنا فقط أريد أن أشرب، فأطلب الماء، فيأتيني نظيفاً، ولكن يمكنك الرجوع إلى المدام فهي التي تتولي شئون المنزل).

(2)

صديق، مثقف، من منتقدي الثقافة السائدة ومن المناصرين لحقوق النساء، سألته هل زوجتك تعمل؟ قال: نعم، وتدرس أيضا، فقلت: أنتما الاثنان تعملان من أجل العيش وتدرسان أيضا، أعانكم الله إذن على ما تكابدون من أعباء على الصعيدين الحياتي والأكاديم، فقال: الأمر به الكثير من الصعوبات، ولكن زوجتي جيدة في الإدارة، فهي ترتب وتنظم كل شيء، فهي تنظف البيت بمواعيد وتطهو الطعام بمواعيد وتغسل الملابس بجدول وتذهب للتسوق في أوقات محددة سلفا، وتساعدني في ترتيب بعض أموري الخاصة، وأنا أيضا أساعدها أحيانا في أعمال المنزل، فابتسمت متعجبة وقلت في سخرية: يا إلهي إنك تتعب كثيرا يا صديقي.

طبعا المواقف متكررة والأشخاص متعددون، ولن أذكرها كلها رُغم كثرتها، وقد أوردت لكم مثالين فقط من مجموعة تصلح لعمل كتاب، والآن دعونا نفكر قليلا، هم يؤمنون بحقوق المرأة والمساواة فعلا، ولكن لا يمارسونها، يفعلون ما يفعل الآخرون، ولكن دون وعي.

نعم دون وعي، مازالوا يرون أن الاعمال المنزلية في الأساس ترجع إلى المرأة، وهم يساعدون إن أمكن لهم ذلك، ويكون من باب التفضل وليس الإحساس بالمسؤولية الحقيقية، نحن لا نستطيع أن ندينهم إدانة تامة لأن تربيتهم هي التي رسخت في نفس الطفل أن مثل هذه الاعمال للمرأة، وهي المسؤولة عن التنظيف وتحضير الطعام.. إلخ. ولكن أيضا لا يمكننا التغاضي عن الأمر، فالكثير من أساتذة الجامعات مازالوا يوقنون بأن زوجاتهم هي التي يجب أن تستيقظ مبكرا لتعد الإفطار وتوقظ الأطفال إلى المدارس وتعد له الشاي، الأساتذة الذين يخرجون أجيالا! وهنا يحضرني قول الشاعر (ذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربٌ فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ).

يا سادة لا أجد توصيفا لما يحدث، إلا أنه القتل الممنهج لقدرات كائن يحيا بيننا.

وهنا إشكالية أخرى أنا لا أعرف لها تقييما بعد، هل المثقفون المناصرون للمرأة، ولكنهم لا يمارسون أفكارهم بسبب التربية وطبيعة المجتمع التي تشعرهم بأن ما يفعلونه هو الطبيعي، هم الأكثر خطرا من اللذين ما زالوا يؤمنون أن المرأة خلقت للبيت والأطفال، أم العكس صحيح؟

في الواقع الموضوع به بعد نفسي كبير، وفي حاجة إلى بحث ودراسة وتحليل.

والآن عزيزتي المرأة –كالعادة- أنتِ المسؤولة عن تغيير الصورة النمطية المأخوذة عنك، لا تضحي وتقولي إنها أعمال بسيطة، لا تحملي نفسك أكثر مما تستطيعين، نحن نعاني من التوتر والقلق طوال الوقت بسبب تفاصيل كثيرة، لو تم تقاسمها بينكم لهان الأمر.

تحدثي معه بهدوء وأعربي له عن قلقك وإرهقاك وحاجتك للمساعدة، ساعديه على الإدراك بشكل سليم، حاولي أن تهدمي المخزون النفسي الذي ينمو بداخلة وحولي مساره. وبهدوء سوف يلاحظ ويدرك التناقض الذي يقع فيه مع الوقت.

قال لي أحدهم ساخرا: منذ قاسم أمين وتصدعون رؤوسنا بعمل المرأة وتعليمها وقواها العقلية، وأنا لم أر متفوقا إلا الرجال، مقابل كل 50 عالم ذكر تجدين أنثى عالمة، وفي مصر الوضع أسوأ بكثير، ولنكن أكثر موضوعية أنتن أكثر نشاطا وجهدا واستذكارا، ولكنكن لستن مبدعات.

وهنا أرد عليه أعطها حياة طبيعية وحقوقا مثل التي تتمتع بها وسترى كيف تنجز المرأة، دعها تنام مرتاحة البال دون أن تفكر في ماذا ستطعمك على الإفطار صباحاً، وما المطلوب منها لتشتريه حين عودتها من العمل، وماذا ستطبخ لكم على الغداء، وهل سلة الملابس ممتلئة أم ربما تنتظر للغد، وهل هناك مشكلات تواجه الأطفال في المذاكرة وماذا عن الميزانية هل الأمر على ما يرام هذا الشهر أم ربما في حاجه إلى أفكار لرفع قيمتها قليلا.

كل هذا وفي النهاية تخبروننا ساخرين، ماذا قدمت المرأة في المجال العلمي والأكاديمي؟! يا سادة لو قومنا بعمل دراسة لموضوعك المطروح، ستكون الأسباب هي (الزوج المصري، الأسرة المصرية، التقاليد والأعراف).. حرراها أولا، ودعها تستخدم قدراتها كما تشاء فيما تحب، وحينها استنكر كما تشاء وتعجب في حيرة وقل ماذا قدمت المرأة؟! يؤسفني أن أقول لك طرفي المعادلة غير صالحين للمقارنة أساسا، فلكي تقارن بين طرفين يجب أن يكونا على قدر من المساواة.

عزيزتي المرأة: الأمم لا تتقدم بتنظيف المطبخ أول بأول، وغسل الستائر كل أسبوع، والتفنن في طهي الأطعمة.. أنتِ لم تخلقي لهذا، أقرائي تاريخك جيدا.. لديكي دور لتقومي به، أنهضي، فهم ينتظرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top