إكرام يوسف تكتب: لمصر.. لا من أجل ليليان

 

 

 

 

كانت الصورة موجعة غاية الوجع.. كائنات مبتذلة الوحشية، انطلقت تفترس مذيعة، مثقفة، كفء، نفخر بإطلالتها من قناة مصرية؛ طاقة نور، وسط ما تعانيه تليفزيوناتنا من قفر، وفقر في الكفاءة والمهنية والثقافة، منذ صار العمل الإعلامي في مصر ـ مثله مثل مختلف المجالات ـ قاصرا على أصحاب الحظوة والواسطة؛ طاردا لأصحاب الكفاءات الحقيقية، الذين خرجوا يساهمون في بناء أمجاد إعلامية خارج الحدود!

كانت جريمة ليليان ـ هذه المرة ـ أنها كتبت \”تويتة\” تشد على أيدي شباب الثوار وتطالبهم بالتمسك بإرادة الحياة! فكتبت: \”شباب، ماتخلوا شيء يحبطكم، الشعب دا ياما شاف، وكمل. بإيديكم سلاح اسمه إرادة الحياة، وجلادكم مش بإيده إلا يحاول سلبها منكم، اتمسكوا بيها\”.

 

ولأن ليليان نشأت في لبنان، حيث لا يعرفون المبايعة على السمع والطاعة، ولا عبادة الأفراد؛ لم تشعر أنها مست عصبا حساسا عند فريق تربى على ابتلاع لسانه، خشية أن يمس طرفا لمسئول، فتقع الواقعة! وسرعان ما التقط المغرضون طرف الخيط على طريقة \”حاقول للناظرة إنك بتشتمها\”! واندلعت البلاغات الإعلامية/ الأمنية ممن \”قرروا\” اأنها تقصد وصف رئيس الجمهورية  بالجلاد ـ وهو ما لم تصرح به ـ لكنه التفتيش في النوايا!  وهم لا يلحظون أنهم من يلصقون به التهمة فعليا، بطريقة الدب الشهير الذي قتل صاحبه!

ففي لبنان، حيث نشأت ليليان، وفي أوروبا حيث عملت في الأسوشيتد برس وتليفزيون بي بي سي، وأظهرت كفاءة، وحققت نجاحا يزهو به كل عربي، لا قداسة لمسئول، ولا يوجد شخصية عامة فوق مستوى النقد..  فلم تستطع أن تفهم نفوس العبيد المرتجفين من كلمة في تويتة! ولم تستوعب ما يحدث، رغم الحملة المسمومة والمحمومة، المطالبة بترحيلها من البلاد! والمفزع في الأمر أن الحملة لم تقتصر على بعض أبواق الإعلام الرسمي ـ وأغلب الظن أن دافعهم، لم يكن الغيرة على ولي النعم كما يتظاهرون، وإنما الغل والحقد المهنيين، لأن مجرد ظهورها على الشاشة يكشف عوراتهم المهنية وضحالتهم الثقافية، وعجزهم الذي يغطونه بضجيج النفاق والتطبيل والتهليل للمسئولين ـ وامتدت لتشمل بعض من كانوا يدعون في أزمنة سابقة أنهم مناضلون دفاعا عن الحريات!

ومع انتشار الحملة على صفحات التواصل الاجتماعي، بدأ الناس يتساءلون عن جريمة ليليان؛ وكان التحجج بالتويتة مضحكا وتافها، فاضطر البعض إلى اختلاق أكاذيب، لتلفيق جريمة تستحق هذه الضجة. ولم يتورع أحدهم عن تأليف كذبة صارخة، تقول إن ليليان ذهبت الى المحكمة حيث كان يحاكم متظاهرو مجلس الشورى، وهتفت \”يسقط حكم العسكر\”! وبالطبع تجد الفرية من يتبناها ويروجها، ثم تنكشف الكذبة بعد وهلة، فيبحثون عن فرية أخرى، وهكذا، نجد أحدهم يزعم أنها كانت عضوا في حزب الكتائب، معتمدا عى جهل – من يرددون كالبغبغانات- بينما يعلم من يعرفون عائلة ليليان أنها عائلة ذات باع في المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل في جنوب لبنان!

تقوم الدنيا ولا تقعد، ولا يجدون ما يتهمون به ليليان سوى تويتة كتبتها على تويتر، لم يشهدها سوى متابعوها، فإذا بها تنتقل بفعل الحملة إلى جميع صفحات التواصل الاجتماعي عربيا وعالميا..  بحيث عرفها كل من لم يقرأها على صفحتها!

ذكروني بقصة النائب الشاب الذي استخدم مثلا شعبيا ذات يوم لوصف موقف ما ـ في مؤتمر محدود أقيم في مدينة ساحلية ـ فإذا بمن يثير ضجة حول المثل ويلوي عنق الكلام ليحيله إلى سبة في حق مسئول، فتنتشر السبة في طول البلاد وعرضها وتسيء لهذا المسئول! ألم اقل لكم، بعض العبيد لا يختلفون عن تلك الدبة الشهيرة!

ولما كان الغرض مرضا، فبدلا من أن يسعى الحاقدون على المذيعة اللامعة ـ التي تعتبر أفضل من يدير الحوار في تليفزيوناتنا،الآن، وأكثرهم موضوعية ـ إلى تثقيف أنفسهم، واكتساب مهارات مهنية، وتطوير أدواتهم والتحلي باحترام النفس واحترام الجمهور، يستسهلون محاولة إزاحة من تكشف تهافتهم؛ غير مبالين بما يتسببون فيه من إساءة لمصر وإعلامها وثقافتها قبل سمعتها!

فهل هانت مصر وصغرت في ذهن هؤلاء حتى صارت تهتز من تويتة؟ وهل وهنت مصر، التي كنا نفخر بأنها هوليود الشرق، بحيث لم تعد تحتمل إعلامية متألقة أضافت نضارة وثقافة موضوعية إلى ساحة الإعلام المصري؟ لست بصدد سرد أمثلة لمفكرين ومثقفين وفنانين وساسة غير مصريين، شكلوا ثقافة المصريين طوال القرن الماضي، وصاروا رموزا للصحافة والفن والثقافة في مصر، نفخر بأنهم تألقوا في بلد اختاروا بمحض إرادتهم أن ينطلق منه ابداعهم! ولم تكن ليليان بالعاطلة عن الموهبة، أو الباحثة عن لجوء ومورد رزق، عندما جاءت إلى مصر ـ وهي التي تتمنى مؤسسات إعلامية عالمية ضمها إلى العاملين بهاـ  لكنها جاءت طواعية بعد الثورة، متوقعة أن تضمن لابنتها المصرية، حياة حرة في وطن حر وسط أهلها وعائلتها! اختارت ليليان ـ طواعية ـ التخلي عن فرص التألق في عالم، يتوق الحاقدون عليها أن يجدوا موطئ قدم لهم فيه، ولو استطاع بعضهم لبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، لن يتأخر! فإذا بهؤلاء يتهمونها بأنها لا تحب مصر التي اختارت البقاء فيها!

لعل أكثر ما يؤلم في هذه القضية، أنها كشفت أمام أعيننا كيف صغر مقام مصر في أعين بعض من ينتسبون إليها، وهانت عليهم لدرجة أنهم لا يتورعون عن أن يحرمونها من أي طاقة نور يمكن أن تكشف حجمهم. أما ليليان، فيكفيها فخرا أنها اختارت مصر وطنا لها بإرادتها، ولم تهرب منه عندما شهدت ما يعانيه من صعوبات! كان باستطاعتها أن تفعل، ولن يلومها أحد، فأبناء الوطن نفسه يهجرونه هربا من ويلاته وسعيا وراء حياة مريحة! ولا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيتهم؛ لكنها اختارت الانتماء الحقيقي، لها ولابنتها، التي يسعى بعض من يعتبرون أعمامها ـ للأسف ـ لإخراجها من أرضها. أعذريني ليليان، فأنا رغم تضامني وتعاطفي معك إلى آخر مدى.. أتألم أكثر لمصرنا، التي يحيلون جمالها قبحا، وحضارتها تخلفا، وثقافتها جهلا. وأتمنى أن تتمسكي بالبقاء معنا، حتى لا تزيد مساحة الظلام التي نحياها.. لأنني مصرية وأعتز بمصريتي، فلا أخجل من أن أطلب منك البقاء في بلدك الذي اخترته بإرادتك، ولا أتردد في أن اقول لك إننا نحتاجك بحق.. من أجل مصر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top