كريم عرابي يكتب: مصر وسياسة "هات ضرفها"

عندما أحدثك عن دولة ما تطل على بحرين ويصب فيها أطول أنهار العالم، تمتلك من آثار العالم ثلثيها وتسيطر على أهم مجرى ملاحي في العالم، فضلًا عن مقومات الزراعة والصناعة والسياحة، دولة عرفت طريقها للحضارة منذ قرابة 7000 عام ولها تجارب مع كل أنظمة الحكم التي عاصرها العالم، فإنك بديهيًا بقليل من العقل وكثير من المنطق تستحضر تلك الصورة الكاملة لجنة الخالق في أرضه، أو ذلك النموذج المثالي لـ \”يوتوبيا\” أفلاطون.

لكن عوضًا عن ذلك تجد رئيسها السيد / عبد الفتاح السيسي -كما يحبوا أن يلقبوه- في محاولة بائسة منهم لإلباسه زي المدنية، أو الفريق/عبد الفتاح السيسي -كما أحبذه دائمًا- يقف خاويًا ليواجه شعبه بقلة حيلة لا تناسب منصب ناظر مدرسة إبتدائية:

\”هنعمل إيه؟ هجيبلكم منين؟!

ولا يخفى على الجميع حالة التخبط والخلط السياسي التي تنخر في الدولة المصرية على جميع الأصعدة منذ إعلان 3 يوليو 2013، وكما تعودنا دائمًا وأبدًا، فالإستعانة بالمؤسسة العسكرية هو حل مثالي.. ربما لأن حزم ورصانة وإلتزام القائد العسكري أفضل في تسيير شئون مؤسسات الدولة المختلفة من إسناد الأمور للمختصين بها، أو لضمان الولاء الدائم لتلك المؤسسات!

فلم يثر دهشتي سطوة العسكريين على مناصب تمثل مفاصل الدولة المختلفة من وزارات ومحافظات وغيرها، ولكن الأمر المستفز بحق هو إسناد أمر بعض البعثات الأوليمبية المصرية للواء سابق!

أمور كهذه تجعلنا ندرك كم كانت مهمة \”مبارك\” صعبة في التصدي لهذا النهم العسكري الذي يأبى أن يترك أخضر أو يابسا.

أما الرئيس السيسي، فيقف المهتمون بالموقف الاقتصادي المصري حائرين من غرابة قراراته، فهل كانت الصفقات الاقتصادية الضخمة التي عقدها في الفترة الأخيرة -وبشكل خاص صفقات الأسلحة مع فرنسا وألمانيا وروسيا- تهدف لكسب إعتراف تلك الدول بالنظام الحالي وبه شخصيا في رشوة دبلوماسية مقبولة، أم هي قرارات تنبع من الجهل والغوغائية التي تسيطر على المشهد المصري في الآونة الأخيرة؟

اعتقد البعض أن الإتجاه للحل الأمني في مواجهة حركات المعارضة وإحتجاجاتها سيحقق الإستقرار \”الصوري\” الذي ترنو إليه الطبقة المتوسطة المصرية بمختلف شرائحها، لكن القرارات الاقتصادية التي تهدف لإحداث الضجة الإعلامية أكثر من سعيها للنفع أو الجدوى، كانت بمثابة إنتكاسات متتالية لآمال حطمها إستهلاك الموارد المتاحة وضخ \”الرز\” الخليجي في أسوأ إستغلال، فبدلًا من أن تتجه الدولة لدعم المشاريع المتوسطة وفوق المتوسطة وإتباع سياسات لإستقطاب المستثمرين الأجانب الذين يفرون من السوق المصرية تباعًا لعدم قدرتهم على المنافسة مع تدخل المؤسسة العسكرية في شتى المجالات الاقتصادية بإمتيازات غير محدودة وشفافية منعدمة، توجه الدولة طاقاتها لعقد صفقات بالمليارات إستنفذت الإحتياطي من العملة الخضراء فيها، فإنخفض الإحتياطي النقدي من 36 مليار دولار (عام 2011) إلى 17.5 مليار دولار الآن، مما ترتب علية إرتفاع سعر الدولار إلى مستوى قياسي جديد (13 جنيه) في السوق الموازية، ولعل الأخطر هو إثقال كاهل الأجيال الجديدة بدين خارجي إرتفع بنسبة 34% ليصل إلى حوالي 53 مليار دولار.
ليقف \”السيسي\” مكتوف الأيدي أمام أبناء الطبقة المتوسطة التي تمثل الأغلبية من مؤيديه، ولإن الإنكار لم يعد يفيد، أخيرا إعترفت الحكومة بنيتها الاقتراض من البنك الدولي بعد شهور من النفي.

١٢ مليار دولار في قرض هو الأكبر في تاريخ مصر سيتبعه سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية القاسية تعبر حرفيا عن المثل الشعبي: \”الضرب في الميت حرام\”، فقد اشتمل إتفاق الحكومة مع البنك الدولي على خفض الإنفاق الحكومي ورفع الدعم عن الطاقة وفرض مزيد من الضرائب وتقليص الرواتب الحكومية وفتح المجال لخصخصة بعض القطاعات، وكثير من الأعباء التي ربما تكون \”القشة التي قصمت ظهر البعير\”، ولو كنا نحتفظ ببصيص من الأمل في أن يرفض البرلمان هذا القرض، ولكن البرلمان الذي مرر 435 قانونا في 15 يوم لا يشي بكثير من التفاؤل!

وفي سياق متصل تمضي الحملات المنادية بمد فترة رئاسة \”السيسي\” قدما في جمع التوقيعات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top