كريم بدر يكتب: الستات والسواقة

تحليلي الشخصي للطريقة العجيبة اللي الست المصرية بتسوق بيها العربية.. الأول يجب أن نعرف إن الكلام دة لا ينطبق على الكل وهو مش قاعدة.. يعني مثلا السواقة الكويسة (لو افترضنا إن في مصر فيه حاجة اسمها سواقة كويسة) مش احتكار للرجل.. لأ طبعا.. معظم الناس أصلا بتسوق زي الزفت، سواء رجالة أو ستات.. ماتفرقش.. ولازم نفهم برضه كويس إن الموضوع ده مش معمم على الكل.. يعني طبعا فيه استثنائات كتير أوي.. أنا عن نفسي النافيجاتورز بتوعي دايما في السواقة كانوا بنات وكنا بنعمل تيم وورك كويس أوي.. تحياتي لهن كلهن.. المشكلة من بدايتها تكمن في إن البنت من أول ما بتتولد في المجتمع المصري أو العربي، دايما عندها مشكلة.. دايما بيقنعوها إن عندها حاجة ناقصة.. دايما فيه أسلوب قمع ممنهج من المجتمع على رغباتها وتفكيرها وحريتها وإرادتها.. بيبدأ من أول المدرسة لما يعاقبوها لو كلمت زميلها أو لو سابت شعرها من غير توكة أو لو ضحكت بصوت عالي أو لو حطت مانيكير أو لو عملت حاجات كتير أوي.. هي كلها حاجات طبيعية (اللي كانت في مدرسة راهبات فاهمة كويس أنا بقول إيه).. نييجي للبنت في المدرسة العادية فدي عندها قيود وممنوعات أخرى من نوع تاني. وتفضل البنت عايشة في كم هذا الممنوعات الرهيب واللي عادة ليس له أي تأصيل اجتماعي من أي نوع، هي موروثات من التقاليد محدش فكر في مدى جديتها أو مدى لزمتها.. هي ناس بتكرر بعضها وخلاص. نييجي بقى لما البنت تكبر شوية وتدخل الجامعة وتتخرج من الجامعة.. عموما هي طول الفترة دي بتسمع من أهلها ومن المجتمع كلام مفاده إن البنت دايما هي فريسة يسهل قنصها ولازم يكون فيه ذئب بشري موجود في المدرسة أو في النادي أو في الشارع أو في أي مكان وزمان، وجاهز لاقتناصها في أي وقت.. وبالزن على الودان اللي هو أمر من السحر تبدأ البنت تعتقد في هذه الأساطير وتتحول الأسطورة إلى جزء لا يتجزأ من عقلها الباطن ويتطور الموضوع إلى أن يصبح كابوسا يطاردها في أحلامها وأفكارها باستمرار، مما يؤثر على طريقة تعاملها مع زملائها في الشغل وفي غير الشغل، لأنه بسبب الزن ده وملو الدماغ بهذه الأساطير بتشوف البنت كل الرجالة كأنهم وحوش عايزين ياكلوها، (ومايمنعش إن فيه رجالة كده فعلا الله يحرقهم – عايزين أي ناموسة معدية يريلوا عليها وخلاص).. المهم إن البنت ثقتها في نفسها دايما مهزوزة وغالبا بتكون مش موجودة أصلا.. إلا من رحم ربي (واللي شفتهم من اللي رحمهم ربي دول كانوا كتير، وكانت البنت فيهم بميت راجل، وفعلا إدوني أمل في الدنيا). طبعا كان ممكن الموضوع يكون غير كده.. لو كان أهلها ربوها على إنها إنسانة حرة ولها حقوق وإزاي تعتمد على نفسها وتواجه الدنيا، وتعرف تاخد حقها وتدافع عن نفسها وإن الدنيا فيها الكويس والوحش.. وإنها مش حاجة ماشية كده عشان أي حد يحاول يغتصبها فتجري منه.. وإن العالم ليس مليئا بالوحوش اللي مفترض ضمنيا إن كل واحد فيهم عايز ياكلها.. يعني دي مشكلة تربية في الأساس.. فيه فرق كبير بين اللي بيتربى على إنه إنسان قوي ومسؤول وفاهم، وفيه فرق بين اللي بيتربى على إنه ضحية المجتمع ولازم يخاف من أوهام بدل ما يتحداها، وده في الرجالة والستات.. وعلى قد ما شفت في حياتي ستات جدعة وبميت راجل (وكانت بتبقى ست برضه، يعنيLady ) على قد ما شفت رجالة ماتسواش تلاتة مليم. خلاصة الموضوع ده إن البنت بيتم قمعها نفسيا من وهي طفلة، وغالبا بتستجيب لهذا القمع النفسي ويصبح راسخا وكامنا في عقلها الباطن على إنها تعيش باستمرار خايفة من كل شئ حواليها، والخوف المستمر ده بيسبب انهيار في ثقتها بنفسها.. عشان كده تلاقي البنت أو الست بتسوق بالطريقة الغريبة دي، لأنها حاسة دايما إنها كائن ناقص منه حتة.. لازم فيه حد هيخبطها أو يكسر عليها، أو لو مشيت بسرعة هيتريقوا عليها أو هيشتموها ويهزأوها، أو خايفة من حد هيخطفها أو يتحرش بيها (وده لا يمنع إن فيه رجال أقذار بيعملوا كده فعلا، وأنا مش بادافع عنهم.. دول كلاب لازم ينضربوا بالجزم) نييجي لعامل آخر ومهم بيأثر في البنت وبيدمرها نفسيا.. ألا وهو رجال الدين (ربنا يسامحهم على اللي عملوه وبيعملوه في الناس) اللي لازم يرسخوا في دماغ المجتمع بجميع طبقاته إن الأنثى كائن أدنى من الإنسان ولازم الست من دول يبقى صوتها عورة وكل حاجة فيها عورة وإنها كائن لا رأي له ولا شخصية ولا أي حاجة.. هي تابع لأبوها ثم جوزها ثم أي كلب سكك معدي لمجرد إنه راجل.. (بصراحة مش عارف إيه المجهود العظيم اللي الواحد بيعمله عشان يتولد ذكر)؟ ويستمر القمع النفسي بصورة مضاف إليها روح القداسة وبالتالي تقتنع البنت أكتر وأكتر إنها عشان ترضي ربنا، لازم تبقى نكرة، وطبعا مفيش حاجة اسمها كده، فثقتها في نفسها وشخصيتها تتنيل زيادة ويتم سحقها تماما. ومع استمرار الخزعبلات والأساطير اللي بيبثها المجتمع ورجال الدين في نفسية البنت، تجد أنه مع مرور الوقت واستمرار التلقين السلطوي في المجتمع، تجدها تحولت إلى كائن هش ومبتذل في شغلها ومع جوزها، وتبدأ بالتالي تربي بنتها على نفس الطريقة، وتطلع أجيال تانية مشوهة نفسيا وبتأثير نفس العوامل السابقة المستمرة إلى الأبد تتنقل العقدة من جيل لجيل (إلا من رحم ربي) وبصراحة أنا عمري ما كنت بعتقد في مسألة إن البنت أقل من الولد، ولا كل الهذي الفارغ ده.. وبصراحة كل صديقاتي من البنات والسيدات تقريبا ماعندهمش المشكلة دي، وأنا كنت فاكر إن ده الطبيعي، لحد ما توغلت في أعماق المجتمع المصري وعلى مستوي طبقات اجتماعية و ثقافية مختلفة وشفت ناس بتعمل حاجات غريبة، منها إنهم يميزوا
الولد عن البنت في الأكل مثلا (ودي كانت أكبر صدمة اتصدمتها) وشفت وتعرفت على نوعيات مشاكل كتير بتواجهها البنت اللي عايشة في مجتمعنا، ولذلك أرجع واقول واعلن احترامي وتقديري الشديد لكل بنت بتتمرد على الكلام ده، سواء جاتلها فرصة أو ماجتش.. احترامي لكل بنت بترفض قمع المجتمع ليها ومش بتنساق وراه وتستسلم (وشفت كتير أوي منهم وماقدرش اعدهم من كترهم)، لأن المشكلة إن كم التلقين والشحن المعنوي لفكرة اعتبار النساء ناقصات عقل ودين، وترسيخ الفكرة دي في الوعي الجمعي للمجتمع، يجعل التخلص منها والتمرد عليها أمرا شبه مستحيل.. لأنه لابد أولا من نقد الفكرة وتحليلها وتشريحها والتحقق من إنها أكذوبة وأسطورة عديمة المعنى. ولذلك فأنا ارى أن البنت المصرية أو العربية بشكل عام ليست كائنا مغلوبا على أمره، بل هي إنسان جميل وقوي وله حقه وكرامته ووجوده وحريته وإرادته التي يتم قمعها فكريا ونفسيا ومعنويا وروحيا وعمليا باستمرار.. والمشكلة هي في التقبل والاستسلام لهذا القمع المنظم الممنهج المستمر.. وحقا التمرد على هذا القمع ليس سهلا ولا يستطيع إنسان أن يتحمل هذا العذاب من غير أن يصاب بالجنون.. لذلك فكل بنت وامرأة وسيدة في المجتمع العربي، تستحق كثيرا جدا ما هو أفضل من هذا. بنات، البنات، سواقة ستات، السواقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top