(والد).. بحثت عنها كثيرًا فى المعاجم لأصل لمعنى الكلمة، فوجدته كالآتي:
كلمه والد فى المعجم، هي اسم فاعل من وَلدَ، الوالد هو الأب والوَالدُ من الشَّاء: الحاملُ، وولَدَ / ولَدَ من يَلِد، وحينما نقول ولدت الأرض نباتًا فمعناها أخرجت نباتًا.. فاهمين حاجة؟
الحقيقة تقول إن كلمة والد تعني الكثير بدون معاجم أو شرح أو تزيين الكلام، كلمه والد تحمل فى طياتها محبة غير مشروطة وإيمانا بالقدرات غير عادي وثقة بالنفس تتخطى الحدود، وقدرة على الاحتمال فوق مستوى البشر.
لم أكن أعلم ذلك فيما مضي، لكني أيقنت الحقيقة حينما ظن البعض أن المناداة بمهنة الوالد مثلها مثل وصمة العار، صمتت للحظات بيني وبين نفسي أتأمل فى الكلمات فوجدت أنه لشرف عظيم لأي فتاة أو شاب أن والدهم يعمل سباكا أو عامل نظافة أو ماسح أحذية، فمنذ نعومة أناملي وأنا أرى والدي يكد ويعمل بكل جهده ليوفر لي ولأخوتي مالًا لنأكل ونتزين وندرس ونكبر ونتعلم الأمور الحياتية، والحمد لله أنه مازال هنا وسطنا ليرى ويسمع ويشعر بما أكنه تجاهه من مشاعر راضية وإيمان به وثقة فى قراراته ومحبته لوالدتي التي لا يضاهيها محبة.
فوالدي ذلك الرجل الذي تحمل مشقات الأيام ليوفر لنا ما نحتاجه من احتياجاتنا الأساسية مثل المأكل والملبس والمشرب.
نعم، فوالدي لديه قناعة بأن ما يزرعه فى هذا العالم هو أبناء يحملون اسمه يفتخر بهم وينتظر ليرى الحصاد.. أعتقد أننى لم أخذله يومًا ما، وأن الحلم الذي حلمه لي قد تحقق بمساندته وثقته ومحبته وصبره.
نعم، والدي ترزي يعمل \”على قد حاله\”، لكنه فنان.. فنان من نوع خاص لدية موهبتان.. الأولى فى صناعة الملابس والإكسسوارات المنزلية، والثانية فى صناعة البشر، فلقد غرس فينا مواهبه لنستطيع أن نواجه الحياة بما يتناسب ومتطلباتها، وقت الاحتياج للشدة أو اللين أو الحنان أو الأمان أو الطبطبة.. لديه قدرة غريبة على الإقناع، فيحصد ما زرع، حتى بعد سنوات طويلة يحصد المحبة والثقة التي زرعها فى ابنائه.
والدى نموذج حي للرجل الحديدي الذي تحدى تطورات مرضه المؤلمة ليستمر فى مسيرة كفاحه للحفاظ على منزله، والدي ليس لدية سلطة أو نفوذ أو جبروت أو. أو. لكن لديه أبناء لهم كل الفخر أنهم زرعة ترعرعت على يده.
نعم، والدى نموذج واحد وهناك مثله كثيرون ممن تركوا وراءهم شكواهم المرضية لينظروا ويتأملوا خلاص الرب فى أبنائهم ليربوا أبناء يدركون أن للإنسانية قيمة وللود والرحمة عنوان، هناك السباك والميكانيكي وماسح الأحذية وعامل النظافة.. هناك كثيرون ممن لا نعرف عنهم إلا القليل، إنهم هنا ينعمون فى وطننا بالمال القليل، ولكنهم مدركون لخطورة الأيام عليهم إذا مرضوا أو فشلوا أو ماتوا، هناك الكثيرون ممن لا تكرمهم الدولة وتتعامل معهم كطبقة دُنيا فى المجتمع.
إذا صح التعبير أن أقول إن والدي من الطبقة الدُنيا فى المجتمع، فنعم نحن من الطبقه التي تكدح وتسهر الليالي وتمرض، لكننا لا نسطو على البيوت، ولا نسرق من أموال الغير من وظائفنا المرموقة فى الدولة، ولا نحابي أحدا على حساب أحد، ولا نقتل ولا نزّور.. نعم أنا أعي تمامًا أننا فى مجتمع تستحوذ عليه الطبقية من كل اتجاه، فابن الطبيب يجب أن يتزوج طبيبة، وابن المهندس يجب أن يتزوج مهندسة، وابن عامل النظافة يتزوج عاملة نظافة.. نحن مجتمع مزيف.
حينما نريد أن نجرح مشاعر الآخرين نناديهم بوظائف والدهم، ظنًا منا أنها إهانة، ونحن لا نعلم أنه لشرف كبير لنا أننا لا نساير المجتمع فى فقره، فقررنا أن نعمل ونجتهد لنصل إلى المبتغى، قررنا أن نكسر قيود المجتمع السلبية تجاه وظيفة بعينها.
وأنا قررت أن أكمل مسيرة أبي فى حياكة الملابس وأن أسانده قلبًا وقالبًا ليفتح مصنعه الخاص بجهده وجهدي وجهد والدتي.
نعم يا أصدقائي فيفيان مجدي الناشطة الحقوقية ستمتهن مع الوقت مهنة والدها وستتزوج من مهندس، وسأكسر تلك القوالب الفارغة التي زيفت الواقع وصنعت من البشر كائنات بلا عقل ولا ضمير ولا قلب.
أصدقائى.. أنا فيفيان بنت الترزي.. فكروا انتم في أبائكم، يا ترى بيشتغلوا إيه وليه؟ مش عشان تفكروا تعايروا الناس، لأنها عمرها ما كانت معايرة، لكن عشان تعرفوا قد إيه الوالد وجوده مهم، حتى لو شحات.