فاطمة خير تكتب: عن صديقتي المجنونة اتحدث!

كنت على يقين تام، بأن دعاء حين كتبت على حسابها الخاص فى الفيسبوك، أنها تنوي إصدار موقع زائد 18، وتطرح الأمر للمناقشة، أنها – بالضرورة – تمزح، فالأمر يبدو – بالضرورة – مزحة لا أكثر، حين سألتها بعدها بشكلٍ عابر عن الموقع، كنت أنا أيضا امزح.

لكن المفاجأة أن الأمر لم يكن مزحة أبدا منذ بدايته، ولأننى لم أكن على علم بأىٍ من تفاصيل الموضوع، فقد تفاجئت حقا بإطلاقها الموقع، وأنه بالفعل يحمل اسم زائد18!

الصحافة بالنسبة لى شغف، يلزمه – بالضرورة – إيمان بالمغامرة، والحياة فى حد ذاتها مغامرة؛ لذا فإن ما فعلته دعاء سلطان، هو منطقى لمن يؤمن بكلٍ منهما: الحياة والصحافة.

أي محترف للصحافة، تخطى الثلاثين من عمره، مع ما يعنيه هذا من قدر لا بأس به من الخبرة، يدرك جيدا أن الصحافة والصحافيين كلاهما فى أزمة.. أزمة تتخطى أبعادها العقبات التي تعترض أصحاب المهن الأخرى، حين تتعرض المهنة لمخاطر وتحديات يفرضها التطور في مجالات التكنولوجيا وعالم المال، أو عبء السير الذاتية المهنية المثقلة بالخبرات الكبيرة.

المسألة بالنسبة للصحافة تتخطى ذلك، فهي الآن، وفى هذا العصر تواجه أزمة هوية.. هوية مهنية، والتباس في القيم الأخلاقية، وإذا أضفنا إلى ذلك الظروف المعقدة لوطننا الحبيب، قبل ثورة يناير وبعدها، يصبح أي ممارس للمهنة أمام أزمات حقيقية، لا يدركها إلا من يعانيها، ويواجهها مرغماً في كل صباح، وتثقل كاهله قبل أن يدهمه النعاس كل ليلة.

أما بالنسبة للموهوبين، فالمصيبة أعظم: هم يقفون أمام اختيار مصيري، فالاستمرار في المهنة يعنى حربا ضد المجهول، وسيرا عكس التيار، ومواجهة لم يرثوا عمن سبقوهم أدوات الاستعداد لها، فالتحديات تختلف عما واجه كل من سبقوا منذ أطلت المهنة على العالم، والانسحاب هنا لن يضير سوى أصحابه.. سيورثهم ألما وحدهم سيعرفون طعمه، ولن يشعر بهم أحد، بل ربما سيفرح أعداء الصحافة الحقيقيين الذين يعرفون شراسة المواجهة معها.

الاختيار هو إذاً خاص وعام في الوقت نفسه.. مهني ووطني، هو تماماً: أكون أو لا أكون.. بعد أن مر من العمر الكثير.

الاختيار يحتاج إلى جسارة، والجسارة عملة نادرة في زمن يبيع فيه الكثيرون شرفهم المهني، مقابل \”مكاسب\” تملأ جيوبهم وتفرغ أرواحهم وقلوبهم وسيرتهم يوما ما؛ لكن هذا ما امتلكته دعاء الصعيدية، الخارجة عن السيطرة وغير القابلة للترويض، وهكذا خرج زائد18 إلى النور: ابن شرعي للشغف والجسارة، وابن للجنون بمهنة لاتزال تحظى بمن ينفق عليها من جيبه الخاص ولهاً بها وحفظاً لعهده معها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top