يقف المحامي المصري العريق نجاد البرعي، اليوم الثلاثاء الموافق 17 مايو/أيار، أمام قاضي التحقيق المنتدب من وزير العدل المصري، وللمرة الخامسة منذ شهر مارس/آذار العام الحالي، للتحقيق معه في البلاغ المُقدم ضده، والمستشارين عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف بتهمة تأسيس “جماعة غير شرعية” و”إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب” و”الضغط على رئيس الجمهورية لإصداره من قبل مجلس القضاء الأعلى”.
وفي آخر مرة مثُل فيها البرعي للتحقيق، وُجهت له ستة اتهامات، كان من بينها “منع مؤسسات الدوله عن تأدية عملها” و”تلقي تمويل” و”تكدير السلم العام” و”ممارسة نشاط حقوق الإنسان دون ترخيص” و”وإذاعة أخبار كاذبة عمداً”، بالإضافة طبعاً إلى “تأسيس جماعة غير شرعية”، وتم الإفراج عنه حينها بضمان محل الإقامة.
ويعمل البرعي رئيساً لـ “المجموعه المتحدة”، وهي مؤسسة احترافية توظف الخبرة القانونية في الدفاع عن الحريات والحقوق وتنميتها في مصر.
إلا أن مشروع قانون مكافحة التعذيب الذي قامت المجموعة بإعداده في أوائل مايو/أيار من العام الماضي 2015، والذي من المؤكد أنه أصاب القائمين على إدارة السلطات الأمنية في البلاد بالأرق والنزق، ليس مشروعاً سرياً، ولم يتم تداوله في أوساط مغلقة أو تحت الأرض أو خارج مصر؛ بل خرج بشكل علني على شكل مرفق لرسالة وجهتها المجموعة للسيسي، تطلب فيها إصدار المشروع كقانون فى أقرب وقت ممكن.
وهل يحتاج وقف التعذيب الى قانون جديد في مصر؟ وهل جاء البرعي وجماعته بجديد في ظل ما تصفه السلطات بضمانات دستورية وقانونية للوقاية من التعذيب؟ الواقع، نعم. يحتاج القضاء على التعذيب في مصر إلى منظومة جديدة من التشريع والقانون تضع تعريف التعذيب وعواقب ممارسته من قبل السلطات في سياق جدي ومنسجم مع فُضلى المعايير الدولية.
أما ثانياً، فالتعذيب هو الماء الذي تشربه عروق الدولة المصرية منذ زمن قديم، ولم يتوقف، ولم يتعطل، بل ازداد ضراوة ومنهجية. وأمام الباحثين طوفانٌ من الأدلة على ذلك، أضع بين أيديكم تقريراً واحداً منها لمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، والذي يُغطي الفترة بين يونيو/حزيران 2013 و مايو/أيار 2014 (أي في الفترة التي مهدت لقدوم السيسي للحكم وأوائل حكمه) على الرابط هنا. ومختصر التقرير يفيد بوقوع 289 حالة تعذيب وثقها المركز في الفترة المذكورة، من ضمنها 272 حالة وفاة داخل أقسام الشرطة.
يقف البرعي وزملاؤه المستشارون القضائيون اليوم الثلاثاء أمام قضاء كان عليه أن لا يقترف إثم التحقيق مع أهل الضحية والمدافعين عنها. ليس وحيداً من الناحية التقنية، فإن تم تجريمه ورفاقه بسبب عمل مشروع في غاية النبل لمناهضة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية الغالبة على سلوك سلطات مصر؛ فقد تم تجريمُ كل من يتعرض للضرب والركل والسب والشتم والتنكيل والحرمان من النوم والشرب والطعام والدواء في مراكز احتجاز الأمن في مصر، وتجريمُ كل من يعمل على مقاومة هذا السلوك بالحق والعدل.
العدالة تقتضي أن يمثل أمام التحقيق كل من استخدم السلطة لتعذيب البشر. أما نجاد البرعي ورفاقه فهم جزءٌ من ضمير مصر الذي لن ينام طويلاً.