يقول كارل ماركس: \”إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما، فانظر إلى وضع المرأة\”.
ولسنا بحاجة إلى التأكيد على أن مجتمعاتنا وصلت لمرحلة مخزية من الرجعية والتخلّف، يندى لها جبين الإنسانية.
يستيقظ الإنسان العربي في الصباح على صخب العنف والدماء، تدور رحى أيامه على وتيرة أعباء ومتاعب لا تنتهي، الإنسان العربي تابع، يحمل قيوده أنّى يسير، قيود الإله الذي يسلبه خيراته ويمنّ عليه بأقل القليل، ثم يطالبه بالتسبيح بحمده ليل نهار، ومراقبة نفسه في أقواله وأفعاله ووقع خطاه.
إذا كان هذا جانب يسير من حياة المواطن العربي العادي، فهل المرأة أحسن حالا أم أنّ لها في الكبد والمعاناة مثل حظ الذّكرين؟!
في جلسة سمر عائلية -شكلا ومضمونا- يحوطها الوئام والود، انقلبت رأسا على عقب إلى نقاش حاد انتهى باتهامي بالجنون والخروج عن الملة!
عادة لا أميل للدخول في جدال مع أشخاص لم ولن يقبلوا اختلاف الرأي، ولم ولن يقبلوا بغير ما تعلموه طوال حياتهم، إلا أنّ شيطاني الماكر يفوز في النهاية، فأتنازل عن صمتي وأجدني في قلب المعركة، إلا أنه مع تراكم الاختلافات والخلافات تحقق فعلا ما كنت أرمي إليه، وإذ بالجيل الذي يصغرني من لم يسارع بحمل قبعته وآثر احترام ذاته على قبول كل ما لقّنه.
النقاش في هذه الجلسة أبدا لم يكن حول الجزيرتين، ولا عن فساد جهاز الشرطة، ولا وزارة الصحة، ولا التعليم، ولم يكن بحال عن آخر تطورات العلم والتكنولوجيا، بل بدأ -كعادته- بشكوى حماة من كنتها، حيث الكارثة كانت تكمن في أن الكنة تستيقظ متأخرا، فلا تقوم بخدمة حماتها على الوجه الذي يرضيها، وأن كل شيء سلف ودين، وأن هذا الذي تفعله لا يرضي ربنا ولا رسوله.
بالطبع -وبكل هدوء- كان يمكنني أن أنسحب وأستبدلهم بكتاب، أو أن أصمت مراعاة لسن التي تتحدث، ولكني آثرت الحديث عند قولها: (هو جايبها ليه؟! علشان تاكل وتنام! إن ماكنتش تخدمه وتخدم أمه وأخواته.. يبقى قلتها أحسن!!!!).. نعم بالحرف!
الذي استغربه حقيقة أن قطاعا عريضا من فتيات القرى متيقن من أن خدمة أهل الزوج فرض عين من يتركها آثم، وأنّ المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها! قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت، أيّا كان وكيفما كان ما يأمرها به الزوج، وأي زوج صالحا كان أو طالحا، ودون تحديد لمعيار الصلاح أيضا.
عندما ندنو لهذه الدرجة، وعندما تتحول العلاقات الاجتماعية لعلاقة عبد وسيد، وعندما نستهلك عقول فتياتنا في هذه الأمور، ثم نستنزفهم بعد الزواج باسم الدين، فماذا يبقى لهذه الأمة؟!
تلك الطاقة المهدرة في توافه الأمور، منذ أن تبلغ الفتاة إذ كل العيون تترصّدها، وتغرس في ذهنها بذور الطاعة العمياء، وينصبّ التركيز عليها جسدا، اختزال لكل وجودها في كونها تتقن الطبخ والتنظيف!
تنتقل الفتاة من بيت أبيها بذلك العقد الشرعيّ الذي هو أقرب لصكّ الملكية! إلى بيت زوجها، وفي القرى حيث أعيش يكون هو نفسه بيت العائلة، حيث تبدأ مرحلة مختلفة جذريّا من حياة الفتاة تحديدا، لتكتشف أنّ الأمر لا يتعدى كونه تسخيرا لكل وقتها وأنفاسها لخدمة زوجها وأهله، وسعيا لرضاهم، فيبدأ مسلسل التضحيات وإنكار الذات عن طيب خاطر وسذاجة غير محمودة، كائن مهمل ملقى كأي كرسي في المنزل، تتحول لأي شيء عدا إنسانة لها كيان ووجود له احترامه، وإذ بالشجرة تسّاقط أوراقها يوما بعد يوم دون أن يأتي الربيع!
وهي في كل ذلك مقهورة في أغلب الأحيان، مجبورة باسم الدين والعادات والتقاليد.
عندما يكون في كل بيت رئيس مصغر ولنقل إلها، صورة مصغرة من الحاكم المستبد، وعندما تشتد وطأة الضغط من قبل الأب والأخ والزوج والحماة -وأحيانا الأم- ظنّا منها أنّها بذلك تصلح ابنتها، فمن يحرر رقاب فتياتنا المستعبدات؟
أرى الدائرة واسعة فتضيق، وضيقة فتتسع، أرى سيادة الحاكم وقد استأثر برأيه فوحده الحق المطلق، وأرى البطش والقمع وتكميم الأفواه ينسحب من الرأس إلى الذيل، ولكم في كتاب \”التخلف الاجتماعي\”، للدكتور مصطفى حجازي تفصيل بديع وموجع وصادم في آن.
ومع ذلك فإنني أؤمن بأننا نحمل شمسنا بداخلنا.. فلم أسمح أبدا رغم كل التشوهات بأن أفقد ضوئي الذي بات هزيلا ومنكسرا، كانت في البدء الكتابة هي صرختي المكتومة على الورق، تشكّلت فيها خطوط اليد التي ستمدها إليّ تساعدني، بدأت أبحث عن سبب هذه المعاناة وهل هي قدر أم كدر صنعته يد البشر، بدأت تنهار أمامي وتتعرّى كل أكاذيبهم، حيث لا دين أمر ولا الله شارك!
تحوّل انكساري غضبا، حلّ ومخرج، قرأت في البدء العادات السبع للناس الأكثر فاعلية لستيفن كوفي، توقّفت عند العادة التي تقول: كن مبادرا. حيث لا انتظار لحل إن لم توجده، أوجدته واستقللت بحياتي، ولكن شعلة الحرية أبدا لم تخفض رايتها، خرجت مني لأحاكم مجتمعا بأكمله مسئولا عن إهدار سنوات حياتنا في اللاشيء!
ولكن لا يجب أن نبكي على ما فات، بل يجب أن نحتفظ بطاقاتنا ونجددها لما هو آت.
الإصرار على نجاحك في تحقيق استقلاليتك الشخصية وإثبات ذاتك، لن يكون بغير الوعي والقراءة والسير بخطى ثابتة وجريئة نحو الهدف المنشود، إعادة النظر في النصوص التي كبّلونا بها، أهي سوء تأويل أم سوء تطبيق أم أنّ المشكلة في النص ذاته؟! الجرأة في مواجهة ذلك الميراث الذي استُعبدنا باسمه، محاولة فهمه للإبقاء على خيره ونبذ خبيثه، هي حقوقنا نحن.
خلق السؤال دون الاهتمام بالإجابات الجاهزة المعلّبة، هو أول علامات كوننا هنا، والآن.. أنت تسأل، إذن أنت موجود.