ولدت سياسياً، ككل أبناء جيلي في يناير من العام الحادي عشر بعد الألفين من ميلاد المسيح، ولدت ابن سبعة أشهر لأم ميتة وأب مجهول.. ولدت غير مكتمل التكوين، وألقيت في دوامة المراحل الانتقالية، هوجمت وضربت ورميت زورا بأنني ابن سفاحٍ حَملت في عاهرة مصرية من سياسيٍ أجنبي أعطاها المال ليزرع في رحمها بذرته السياسية لتنمو شجرة مصرية على أرض مصرية تمكنه ودولته من قطف ثمارها المروية بماء النيل، ناديت فيهم: أن كيف لأمي أن تكون عاهرة وهي اختكم وابنة أمكم المحروسة، أمي هي أختكم التي لم تعلموا عنها سوى العفة والجد وحب أمها المحروسة برغم ما تلقت منها ومن أزواجها المتاعقبين من ذلة ومهانة وسلب حق واتهام دائم بالتقصير والعيب وتبرير دائم لمشكلاتها بأنها السبب، وإن لم تكن هي السبب فلا سبيل ولا إمكانية ولا ميزانية لحل مشكلاتها.
من الطبيعي أن تستغربوا ميلاد طفل مصري ذي جينيات سياسية لا تورث إلا من جهة الأب وأنتم تظنون أنه لم يعد هناك أي رجل مصري ذي ميول سياسية يعيش في مصركم أو هكذا خيل إليكم بعد أن جمعتموهم كلهم وأعدمتم منهم من أعدمتم وسجنتم منهم من لم تجدوا في خزائن دولتكم -التي قد نهبتم- مال يكفي لشراء رصاص تودعونه في أدمغتهم المستقلة، لذلك كلما رأيتم مقالا سياسا أو سمعتم رأيا فكريا ظننتموه جاسوسا تعلم فن السياسة وتكون له فكر ورأي على يد معلم أجنبي.
أنا مصري وابن مصري أحب مصر ولو لم تحبني.. أرى فيها الأمل وإن كنتم قد قتلتموه أرى فيها التغير وان كنتم قد وأدتوه.
لا لم تقتنعوا، بل بالإقتناع تتظاهرون وسأتظاهر أنا باقتناعي باقتناعكم حتى تدعوني أفعل ما ولدت من أجل فعله، سأزرع وأنتج سأكتب وأبدع سأعلم وأتعلم، سأحارب لأبناء عمومتي وسأطالب بحقوقي المسلوبة وسأتي بكنوزي المنهوبة، سأحاكم الظالم وسأكرم العالم وأعيد المهاجر، سأهدم السجون وأبني المصانع، سأعمل أنا وأبناء جيلي وحدنا، لا تساعدونا ولا تمنعونا، لا تأسرونا ولكن دعونا، لا تقتلونا.
ولكنهم لم يساعدونا ولم يتركونا، ويا ليتهم حينها قتلونا فنلنا الشهادة، لكن وعدونا بالحريات والتغيرات والاستثمارات، واستدرجونا بالحوار والانتخابات والاتفاقيات والإئتلافات والجبهات، وشغلونا بالمؤامرات وبالغلاء والبلاء والمرض، وغيبونا بالمخدرات والمنومات وبالإسفاف والسخافات، حتى أتعبونا وأطفأوا نار الحماس فينا وأنسونا هدفنا وكرهونا في حلمنا ووطننا.
وها أنا ذا قد بلغت أربعة أعوام من عمري السياسي، واثنين وعشرين عاما من عمري الافتراضي، لانتهي لأمنية واحدة فقط وهي: أن يا ليتني لم أولد في مصر.. سياسياً.