عمر عبدالله يكتب: إلحاد شعبي أم عدمية خلقتها الظروف؟

\"\"

في لقطة هي الأجدر بالتصوير. في مشهد لا يريد رؤيته الكثيرون رأيت شخصًا بداخل مشاجرة في إحدى المناطق الشعبية يتحدى الجميع بما فيهم غير البشر وأيضًا من هم فوق البشر.
المشهد الأول: بلطجي شارعنا
تناثرت بعض المواقف هنا وهناك ولكن الفكرة واحدة، فكرة عدمية في جوهرها ولكن من المؤكد أن لها مقابل ما بداخل عقل صاحبها. أن تشاهد أمامك شخصًا لم يدخل في حياته مدرسة يقول بما معناه أن لا إله غيره حتى يخرس جميع من في الشارع أثناء المشاجرة أو حتى لبث الرعب في من هم يقفون بمواجهته أو لصنع ميزانسين لا يظهر أحدًا غيره في المكان. قال هذا \”البلطجي\” الذي لم يحضر درسًا واحدًا في أيامه التي امتلأت بالمخدرات والسلاح درسًا واحدًا أن ليس هناك أي آلهة وأنه هو نفسه إله وأن من يريد أن يتحداه فليتفضل وهو جاهز. هل المخدرات هي من تصنع حالة كهذه؟ كثيرون من يناظرون ويجابهون فكرة وجود إله هم من علماء الفيزياء الذين لا يقتربون إلا من الطعام الصحي. هل ما فعله البلطجي الشعبي له علاقة بمن حوله أو بعلاقاته الشخصية؟ من الممكن أن وحدة الشخص وقوة اعتماده على نفسه وظروفه تضعه في قالب البطل الذي لم يعتمد على أي أحد؟ حتى الإله؟!

 

المشهد الثاني: المجذوب ليس معنا
يجد الكثيرون أن من هم في الموالد ومن يحضرون طقوس الذكر هم من المجذوبين أو من أهل السماء ممن لا يتقنون فنون العلوم البشرية ويعيشون بمنطق الله فوق كل شيء. على النقيض يوجد من هو في المولد رأيته بأم عيني وهو لا يريد أن يفعل مثل الجميع. عندما سألته عن الصلاة، الأذكار أو المشاركة في حلقات الصوفية الموجودة في المولد. رد بأن كل شيء سيكون على ما يرام. سمعت النقيضين. سمعت المتضادين وعلمت أن المولد يحتوي على لادينيين أيضًا بجانب الربانيين. بعد حوارات مع الشخص الذي قال الجميع عنه أنه مجذوب وصلنا سويًا لنقطة أنه لا يريد القيام بتلك الحركات الصوفية ولن يقول أيا مما يقولون وأنه يصدق أن هنالك إله، ولكنه أضعف من أن يجده أو أن يصل له.
المشهد الثالث: صديق هندي لا يعلم شيئًا إلا عن الحياة

سويًا نتحدث عن الدنيا ومن فينا يستطيع أن ينافق أكثر ومن فينا يستطيع التعايش بمبادئه الخاصة به وحده. ولكن فيما يخص العبادة وما يتعلق بالإرادة الحرة التي تخص الديانة فلا يتدخل أي منا بشؤون الآخر. له ديانته ولي ديني. يعلم صديقي الهندي أنني مؤمن بوجود إله ومع ذلك لا يسألني عن شيء ولا يريد أن يسأل. ولكني فضولي وأريد أن أعرف لماذا يقدس هو شيئًا مختلفًا، ولماذا هو يعبد ما لا أعبد؟ لن أجبره على شيء. فقط أريد أن أعرف. هذا الصديق الهندي لا يملك المال وبالكاد يستطيع تدبير طعامه الخاص به يوميًا. دائمًا ما أسأل نفسي أمامه عما يفكر به أثناء انحنائه للحيوانات. عما يجول بخاطره عند حديثه مع كائن حي آخر في اليوم التالي. ليس من المعقول أن يكون مجرد مريض عقلي آخر، إنه يعمل في مجال السياحة ويتحدث لغات عدة.
فكرة العدمية التي أراها بوضوح في الفجوة ما بين عبادة شخص هندي لإله لا يمكن أن يراه ولكنه مؤمن به وبين شخص من نفس البلد يعبد حيوان يتم قتله في بلد آخر. أراها بوضوح أكبر عندما أطلب من المطعم سندويتش به بعض قطع اللحم الخاص بنفس الحيوان المقتول هذا عندما أكون وحيدًا خوفًا من ردة فعل صديقي الهندي وزميلي في العمل.
المشهد الرابع: السائق اللاديني

سائق من منطقة الشام يعمل في دولة مختلفة عن وطنه. تريد الظروف أن تجعلنا زملاء بشكل أو بآخر. وتريد نفس الظروف أن تجعلني أسمع يوميًا أغرب الشتائم التي تستطيع نطقها فقط باللغة العربية. يريد زميلي هذا أن يضع مصطلح \”دين\” قبل أي شتيمة أي شيء أو شخص. يريد أن يقول يلعن دومًا الأشياء بذكر وشتيمة دياناتها حتى ولو لم تكن على دين ما. حتى ولو كانت مجرد جمادات في الشارع الخلفي من المسكن الذي يجمعنا.
\”يلعن دين كذا، يلعن دين كذا\” لا تخرج العبارة تلك من عقلي إلا بمجرد أن يخرج زميلي هذا من دائرة الرؤية الخاصة بي. ترتبط دائمًا تلك الشتائم ونوعيتها به.
هو يرى أن الله موجود ولكنه لا يفعل أي مما يدل على ذلك. هو لا يريد أو يعلم فكرة أنه لا يمت للديانة التي يعتنقها من وجهة نظر علماء ديانته. هو يرى أن الملحدين يجب أن يتم إعدامهم بشكل مفزع لهم وللكل حتى ننشر العبرة والعظة. تلك الشتائم أو اللعنات تطال كل ما هو حي وغير ذلك، تمسك بأي شيء يستطيع المشي وتضرب أي شخص بقسوة. تخلع صاحبها من فكرة اعتناق ديانة ما.
أسأل زميلي ذلك عما إذا كان يؤمن بالرب أو يعبده في الليل أو حتى يفعل كما يأمره. فيقول بأنه يريد أن يخلد للنوم الآن.
المشهد الخامس: بائعة الخبز
ذلك الكادر دائم التواجد بجميع الصور والهروب من جميع مظاهر البزخ. امرأة طاعنة في السن تحاول اللحاق بالموت الذي لا يريد القبض عليها حتى تلك اللحظة. تجلس دائمًا بجانب بعض الأرغفة الساخنة التي تتلاعب أبخرتها بالهواء غير النقي في شارعنا الخلفي في بلد غريب جدًا. دائمًا ما أراها تتحدث مع اللا أحد وتتواصل مع أشياء ليست موجودة. تلك السيدة أنا على يقين بأنها ليست مريضة عقليًا أو شيء كهذا. تلك السيدة تمتلك من الحكمة ما يكفي لصفع سقراط وهو يقف منتصبًا أمام أرغفة الخبز تلك.
علمت بعد ذلك بشكل غير أخلاقي -استرقت السمع- أن تلك العجوز الحكيم تتحدث مع الله. تناجيه وتخبره بأن كل شيء على ما يرام. لا تصلي، لا تدفع المال للفقراء ولا تريد أن تربي لحيتها كالباقين سواء كان ذلك الشيء بمحض إرادتها أو غير ذلك.
تكلم السيدة الرب ولا يرفضها. لا يفعل مثلما فعل الجميع معها كما تقول. تخبرني بأن الله يريد منها فعل ذلك ويريدها أن تؤمن به حتى ولو لم تراه مادام هو يفعل ذلك. يراها.
ذلك المشهد غير المرتب وغير الحقيقي بالمرة بالنسبة لمن يرون أن الله يجب أن تتحدث معه بشكل ما وأن تملك بعض المهارات اللغوية لتناجيه أو أن تحضر نفسك أولًا حتى تتواصل معه بشكل شخصي. تقول السيدة إن الله لا يحب هؤلاء البشر ويحبها هي. ويحب الجميع بمن فيهم من لا يحبهم. في بعض الأوقات فقط.
الله يحب الجميع في وجهة نظر السيدة العجوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top