عمرو مدحت يكتب: لماذا فكرت في الانتحار؟

يتحدث الكثيرون الآن عن حوادث انتحار تحدث لبعض الشباب، ويتفاجأ الكثيرون من مثل هذه الأفعال، ويتعاملون مع الموضوع وكأنه شئ غريب وغير متوقع، لكن دعني اقول لك أنه شئ منتشر بشكل مرعب في أوساط كثيرة.. لا تفرق بين أحد.. ليست لها علاقة بالظروف المادية أو التعليمية أو المجتمعية، فهو شبح يطاردك مهما كنت ومهما كانت ظروفك، إن علمت ما يدور بداخل هؤلاء قبل أن يقوموا بهذا الفعل، ستعلم أنه أمر منطقي جدا بالنسبة لهم.

في البداية، تبدأ الأمور في التحرك بشكل ثابت نحوه، تشعر وكأنك مُقيد  وتسير إليه رغما عنك.. تنخدع في أساليبه الملتوية، تنخدع في أوجهه المختلفة.. إنه الاكتئاب الذي يأتيك من حيث لا تدري ولا تحتسب.. تشعر أحيانا بأنها مشاعر ضيق أو حزن طبيعية، إلا أنه في لحظة من اللحظات تكتشف أنه أصبح وضعا نفسيا طبيعيا بداخلك.. الحزن، والألم الدائم.

لقد أصابني هذا الشبح في فترات كثيرة، بل إنني حاولت الانتحار مرتين، لكنهما باءتا بالفشل.. باءتا بالفشل باختياري، فقد قمت بهما، وقد وضعت نقطة للرجوع، أو بابا للخروج الآمن من المحاولة، وحتى الآن توقفت المحاولات، لكن قبل التحدث عن تلك التجارب، دعني أشرح لك ما يشعر به الشخص في هذه الحالة، لعلك تستوعب ما يجعله يذهب إلى مثل هذا الاختيار، ولعلك تكتشف أنك واحد منهم وأنت لا تدري.

لا يخفى علي أحد، كمية المتغيرات التي أصابتنا في الآونة الأخيرة، من صدمات سياسية ودينية وإنسانية وثورية ومشاعرية.. تعلقنا بالكثير، ورأينا الأسوأ، فقدنا العديد من الأًصدقاء، فشلنا في الكثير، رأينا الموت يرفرف حولنا بكل أريحية، يُقيم ويجلس بيننا، أصبحت رائحته مألوفة لدينا، وتلك هي بداية انهيار الشخص، أن تتعود علي سيرة ورائحة وذكر الموت من حولك، حينها تتحول من إنسان يشتاق للغد والحياة، إلى شخص، الموت والحياة سواء بالنسبة له، وهنا بداية الانهيار.

يصبح كل شئ بالنسبة لك معتما، رمادي اللون.. الحزن والألم من أقل الأشياء يتضاعف، الألم النفسي والجسدي يتكون من أقل الأشياء، وإن كانت تافهة، قد تغرق في البكاء بلاسبب، يهاجمك البكاء وأنت في أسعد الأماكن ومع أحب الأشخاص إليك، ليس له ميعاد، يضربك حينما يريد.. الألم يصبح شعورا يوميا تتعايش معه وأنت لا تدري سببه، يصبح عادة يومية.. كل شئ يشعرك بالألم.. كل شئ.

أما الحياة ، فتصبح بلا معنى، حتى نجاحاتك، تتحول إلى شئ لا قيمة ولا طعم له.. حتى وإن كانت نجاحات كنت لطالما تنتظرها، لكنك لا تشعر بها، ويؤلمك عدم شعورك بها، فيعود ليرفرف حولك ثانية شبح الألم والبكاء، فيصبح نجاحك مصدر ألم جديد.. كل شئ معتم ورمادي.. كل شئ.

أما عن السعادة، فهي أمر لا تعلم عنه شيئا في هذه الظروف وفي هذه الحالة التي تصيبك.. تتحول السعادة إلى شئ غير معلوم.. إحساس لا تدري كيف كان وكيف كنت تشعر به قبل أن تتحول إلى مثل هذا الشخص، وبسبب منظومات الألم المتعددة التي بداخلك.. الابتسامات والضحكات تصبح أكثر ألما من البكاء.. فأنت مطالب أن تبتسم في وجهه الناس، لكن كثيرا ما تكون في أوساط وتتعامل مع مختلف الشخصيات، لكن تجد نفسك تتجه إلى المرحاض، لكي تفرغ شحنة من البكاء الذي يثقل صدرك، تجد نفسك تجلس على الأرض وتبكي بكاء ليس له سبب أو معنى، لكنك تبكي.. تبكي ويبدأ جسدك في الهجوم عليك بالألم، فتبكي أكثر، وفي لحظة تتذكر أنك لست في بيتك ولست في غرفتك التي تحولت إلي محراب خاص بكآبتك، فتحاول أن تلملم شتات أمرك، وتخرج إلى من كنت معهم منذ قليل، وتبدأ في تزييف مشاعرك أمامهم كيلا يسألونك عن ما فيك، لإن السؤال أيضا مؤلم، والحديث في الأمر يؤلم أكثر، فكما قلت من قبل.. كل شئ أصبح مصدرا للألم.

علاقاتك الإنسانية والعاطفية تتحول إلى فشل من فوقه فشل، لا تشعر بشئ، وإن شعرت، فيصبح شعورا قليلا وباردا، يتحول من بجانبك ومن معك إلى ضحية تحت يدك، تصيبه بما أصابك، تُدمره معك وتشبكه في شباك كآبتك وأنت لا تدري، وحينها تنتهي تلك العلاقات، وتفشل، فتتحول إلى سبب جديد للتألم.

وفي تلك اللحظة، تبدأ آثار الاكتئاب في الظهور عليك، من تقوقع وعدم الاهتمام بالتواصل مع أحد، بل والتحدث بطريقة تبشر بأنك ميت لا محالة، فتبدأ المرحلة الأسوأ في الظهور، ألا وهي مرحلة تدخل الأشخاص في حالتك، وتلك هي المرحلة التي أظن أنها تجعلك تنطوي أكثر فأكثر، وتتألم أكثر فأكثر، حتى تختار القضاء على حياتك كي ترتاح من كل تلك الآلام والمطاردات النفسية والإنسانية من حولك، يقوم الأشخاص بمحاولة مساعدتك بشتى الطرق، منهم المخلص القلق، ومنهم غير المهتم والذي يريد الإدلاء بدلوه فقط.. واسوأهم هو من يقوم بالتسفيه من مشاعرك وآلامك، فقد قيلت لي من قبل بنفس اللفظ: \”بطل دلع إنت بتتلكك عشان تعمل نفسك مكتئب\”، وتلك هي القاصمة، أن يتم الاستهرار بكل ما تشعر به.. أن يتم تكذيب أصدق ما فيك، وهي مشاعرك، فيزيد الألم فوق ألمك الطبيعي.. الاستهتار والاستخفاف بك يجعلك بائسا أكثر مما أنت عليه.

ومن هنا يتطور الأمر، إلى آخر مراحله، ألا وهو النظر في أهمية الحياة، ولماذا يجب علي أن استمر فيها.. تبدأ أشباح جديدة تلوح من حولك.. أشباح الموت وما بعده، وما قيمة الإستمرار فيما أنت فيه، فتظهر الخيالات في عقلك.. خيالات الموت والراحة من المشاعر المتضاربة التي بداخلك، فتبدأ في تخيل طرق وسُبل تجعلك تموت.. أحيانا يكون تخيلك لها عن طريق موتك في حادث عارض، بالسيارة أو في الشارع أو حتى في إحدى المظاهرات، فتتخيل ما بعد موتك، والراحة التي ستأتي لك منه.. فتتبلور الفكرة أكثر وأكثر، فيصبح الموت بديلا سعيدا لما أنت فيه، فالحياة لا قيمة لها، واستمرارها مؤلم في كل لحظة، فما هي القيمة من ورائها، فيصبح الموت هو الاختيار الأمثل لك، والحل الأفضل والأسعد.. حينها تبدأ في محاولات صغيرة جدا، كالسير في الطريق وأنت مُغمض العينين، إلى محاولة شنق النفس، لكن تلك المحاولات الأولية، تكون بطريقة لها خروج آمن، أو سبيل للخروج منه، أي أنك تعبر الشارع وأنت مغمض العين، لكنك تلتفت حولك قبلها لتطمئن من عدم مرور سيارة قد تصدمك في الوقت والحين، وكذلك الشنق، تقوم به على مسافة تجعل قدميك تلامسان الأرض، كي تكون هناك نقطة خروج من الاختناق، فتقوم بتلك المحاولات في أول مرة، وتكتشف النتيجة المرعبة، أنك لست خائفا من الموت أو من الشعور به، فتبدأ في بلورة الفكرة أكثر وأكثر، وتزيد الآلام أكثر وأكثر في نفس الوقت، وحينها تقرر المحاولة مرة أخرى، لكن هذه المرة دون وضع مسافة آمنة بينك وبين الأرض، أو لا تلتفت قبل أن تعبر الطريق، ووقتها ، يتحول لون حياتك الرمادي، إلى الأسود.. الأسود الدائم والنهائي.

تلك هي المشاعر الأولية لما يشعر به من يختار الموت، لعلك تشبهه، ولعلك لا تعلم عنه شيئا، لكن تأكد أن ما كُتب هنا، مقدار حبة من خردل من ما يشعر به من هو في هذه الحالة.. لعلك الآن تعلم لماذا الانتحار واختيار الموت، يتحول إلى أمر منطقي لدى العديد من الشباب.. لعلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top