لعلنا جميعنا رأينا ما حدث وننتظر ما سوف يحدث في حق شاب صغير السن، كل تُهمته أنه رفض وأراد أن يوصل رسالة للجميع أننا لازلنا نتنفس نسائم الحرية، ولو حتى كانت مجرد سراب في صحراء التيه التي غرقنا فيها جميعا.
شادي أبو زيد، كان شابا لم يتعد السابعة عشر من عمره حين قامت الثورة، وكانت هي الميلاد الثاني له.. تراه متواجدا وقتما احتاج الميدان له، تطوع وشارك في الحركات المناهضة للتحرش، أُصيب في العديد من المظاهرات، بل وتم احتجازه من قبل.. وفي مشروع تخرجه من الجامعة، أصر أن يكون الموضوع هو فيلم قصير عن مشاهد المظاهرات في ٢٠١٥.. وعلى الرغم من رفض الأساتذة لهذا المشروع، لكنه أصر على تقديمه كمشروع تخرجه، وعرضه مثلما أراد لا مثلما هم أرادوا.. كل هذا وهو لديه ما يسمح له بالعيش الرغيد مثل أي شاب في سنه في كنف بيته وأسرته، لكنه عاهد نفسه على الاستمرار فيما يؤمن به.. دخل الميدان شابا صغيرا، وعاد منه رجلا كهلا يحمل العديد من الذكريات التي لم ولن ينساها.
دائما ما تجد لسانه رطبا بذكر الثورة وحكاويها، التي تدب روح الأمل في من يأس من كثرة مشاهد الظلم.. دائما ما كان ولازال مؤمنا بذلك الميدان وبتلك الثورة.. في وقت أُصيب فيه الجميع بالإحباط واليأس، استمر في طريقه غير عابئ بمخاطر أو تهديدات سوف تُلاحقه.
من حظي السعيد أنني تعاملت معه على المستوى الشخصي والمستوى العملي.. شاب طموح لا يكل ولا يمل.. دائما ما يسعى لإنجاح ما يقوم به، وكذلك كان وكذلك سيظل، وفي فترة أصبحت الأضواء مسلطة عليه نظرا لنجاحه في إبهار الجميع بما يقدمه من مادة إعلامية في إحدى البرامج، والتي كنت واحدا من فريق العمل فيه.. حضرت بنفسي اتفاقات للتعاقد معه بمبالغ تكفيه العيش برفاهية لا يحلم بها شاب في سنه.. ولا أدري حقا إن كنت في مكانه هل كنت سأستمر مثله، أم سأستسلم لإغراء المال والعروض المتتالية عليه.. لعلي كنت سأضعف وأرى أن ما يتم تقديمه لي هو مكافأة نهاية خدمتي وأستحقها عن جدارة.
لكن ما لا يعلمه أحد، أن التسجيل الذي قام بنشره وأثار كل هذه الاتهامات والمطاردات بحقه، كان قبل يوم واحد من توقيعه على عقد مع إحدى الشركات المنتجة، وكأنه يطهر نفسه من أي إغراءات مادية تُعيقة عن هدفه الأول والأخير، وهو استكمال حلم الثورة.
ما قام به شادي وما نجح فيه حقا.. أنه أذاب بعض الثلوج التي تكتلت فوق صدورنا من اليأس والضعف الذي تمكن منا، في دقائق معدودة أصاب الظالم في مقتل، بسخرية بسيطة.. لكنها أظهرت هشاشة هذا الظالم المستأسد.. في ذكرى الثورة، وحين كنا جميعا نهنأ بجلسة شتوية دافئة في منازلنا، قام هو بما لم نتوقع أن يقوم به أحد، ونجح في ما قام به، وبسخريته أصاب النظام بالهلع، كل هذا عن طريق فيديو ساخر.
شادي لم يسع لبطولة، أو شُهرة، ولو كان يريد ذلك، لكنت تجده الآن يوقع على هذا العقد ذو الأرقام الفلكية.. لكنه أرسل لنا ببساطته المعهودة رسالة أمل في من هم مثله.. خلق حالة من التوافق والتضامن معه.. حالة غابت من على الساحة لفترة طويلة.
حرك القليل من الرُكام من على المشهد، ولعله لم يكن يتوقع مثل هذا الأثر حين قام بما قام به.. لكن هذا هو أثر الصدق حين يُترجم إلى عمل، ولو كان بسيطا.
إلى شادي.. لعل هذه الكلمات لن تفيدك في موقفك الحالي، والذي لا تُحسد عليه.. لكنها رسالة شكر وإمتنان.
سلام عليك وعلى المُطاردين في كل مكان.