بعد سقوط الكثير من الأقنعة الفنية، ورُخص قيمة فنانين كنا نظن أنهم رموزا للحق والثورة، يدق ناقوس سؤال مهم: \”يعني إيه فن هادف\”.
يحاول الكثيرون خلق حالة من وراء كل أغنية أو من وراء كل فريق أو فنان يظهر ليقوم بأحد الأعمال الفنية، في محاولة لــ \”حلب\” القيمة من وراءها، ويأتي البعض لتفسير وجيز لكلمات الأغنية ووضعها في خانة \”الفن الهادف\”، لكن – في الحقيقة – هي كلمة ومصطلح وهمي لا وجود له أبدا، لا يوجد شئ اسمه فن هادف، أو رسالة فنية.
علينا جميعا الاعتراف بأن المُغني \”موظف\” مثله مثل أي شخص آخر.. لا يختلف كثيرا عن بائع المحافظ وشرائط الكاسيت الذي يقف أمام إحدى محلات العصير المشهورة \”معانا عروض هايلة يا فندم\”.. كل ما يقوم به هو القيام بغناء أو رسم أو تمثيل مشهد ما، ليتلقى أجرا عليه يساعده في الاستمرار في الحياة.
الفن في أصله هو وسيلة للاسترخاء وللاستمتاع والترفيه، فمن الصعب أن نقول على المراجيح أنها لعبة هادفة، كذلك الفن.. لا يمكن أن نقول عليه إنه هادف.
محمد منير – عمرو دياب – الخليل كوميدي.. كلهم يتم تصنيفهم – أكاديميا- كترفيهين.
أسطورة الفن الهادف وضعها أناس أرادوا أن يقوموا ببيع بضاعتهم بطريقة ظريفة تجعل لها ولهم سعرا عاليا في السوق، فمن الصعب البحث عن قيمة هادفة من وراء عازف البيانولا، وكذلك البحث عن القيمة الوجودية لكلمة \”اتمعشق\” في أغنية منير.
الفنان هو شخص عنده موهبة.. نختلف في ترتيبها في سلم الاحتراف، لكنه يظل \”ترفيهيا\” لا أكثر ولا أقل، ولذلك حين ترى أحدهم يقوم بتغيير مواقفه من وإلى أحضان النظام، لا تتفاجآ، فإنه يبحث عن \”السبوبة\” لا أكثر ولا أقل.
الفن نوعان \”هابط ومتكلف\”.. لكن الفن الهادف.. مأخدنهاش قبل كدة.
علينا التعامل مع الأشياء بقيمتها الحقيقة.. الأغنية هي عدة دقائق تستمتع فيها بالموسيقى والتوزيع واللحن والكلمات.. الفيلم هو مدة من الوقت تشاهد فيه شيئا ينسيك همومك وتضحك أو تبكي أو تقوم بالأمرين معا فيه، لكن أن تنتظر من الأغنية أو الفيلم أن يجعلك شخصا مختلفا، فذلك درب من الخيال.
من المستحيل أن تجد – مثلا – إرهابيا، وهو يقوم بزرع قنبلة في مكان يكتظ فيه المارة، يستمع إلى أغنية \”يهمني الإنسان ولو ملوش عنوان\”، فيقوم بالبكاء وتغيير معتقداته، ومن ثم يلقي بالقنبلة ويلغي العملية التي كان يهم بالقيام بها.. من الصعب أن تجد ضابطا يقوم بقتل المتظاهرين، يستمع في راديو المدرعة إلى كلمات أغنية \”اثبت مكانك\”، فتفر الدمعة من عينيه، وبعدها يقوم بتفريغ رصاصاته في جيوش عساكر الأمن المركزي كي ينضم إلى صفوف المناضلين.
الأهداف موجودة ، والحق معروف وواضح، ولكن لا علاقة للفن به.. عاملوا الأشياء على قدر تفاهتها.. عاملوا الفنانين على قدر \”سبوبتهم\”.