لماذا ارتدوه:
لظهور خطاب ديني جديد عصري في العقد الماضي بوجوه شابة، لا هو قاس مثل الخطاب السلفي، ولا فاقد للمصداقية و\”معصلج\” مثل الأزهري.. هذا الخطاب يستخدم ألفاظا بسيطة، ووعد الناس بتذاكر للجنة ببعض العبادات البسيطة.
أصحاب هذا الخطاب تم إضطهادهم من النظام السابق، الذي لم يكن يدرك كيف يواجه الفكرة بالفكرة، فواجهها بالقمع فقط، مما جعل من أصحاب هذا الخطاب أبطالا، واعطى معظمهم – للأسف – مصداقية لا يستحقونها في رأيي.
كانت الدولة تحارب الحجاب.. لا توجد مذيعة في تليفزيون رسمي محجبة، أو في الخارجية، أو في الوظائف المهمة.
بسبب ما سبق أصبح الحجاب – في حد ذاته- فعل تمرد، وأقرب للفعل الثوري.
المعادلة دائما تقول إن مع كثرة الإحباط في أي مجتمع تزيد الحاجة للروحانيات، وكان هناك إحباط واضح من حال البلد، واستغل رجال الدين ذلك ليقول إن سبب هذا الإحباط، هو البعد عن الله، وبعد الحاكم عن الشريعة، وليس بسبب صمت الناس على ظلم الحاكم، وليس بسبب عدم تداول السلطة أو غياب الحرية والعدالة الاجتماعية.
إضافة على كل ما سبق.. هناك أسباب هامشية، كأسباب إقتصادية، تجعل الحجاب اختيارا يوفر المال لبنات الطبقة تحت المتوسطة، وأسباب أخرى مثل رجوع قطاع كبير من المصريين من الخليج.
لماذا خلعوه:
الثورة أظهرت بشكل كبير أن معظم رجال الدينن الذين كانوا أبطالا، ما هم إلا بشر، وعندما أتت لهم الفرصة.. ذهب بعضهم ليطارد المال أو السلطة، أو تحيز لظلم بين، أو لأي من الأطراف التي استطاعت استمالته.
الخطاب الديني بعد توغله في السياسة، أظهر أن معظم أصحابه.. أولا: لا يقولون شيئا لوجه الله.. ثانيا: المواضيع الخلافية أظهرت حقيقة ما يبطنون من قناعات صادمة.. كانوا يدارونها جيدا قبل الثورة علشان \”الزبون مايخفش\”.
بعد وصول \”الدينيون\” للحكم، ومحاولاتهم البائسة لتصبغ المجتمع – سريعا- بصبغتهم، أصبح خلع الحجاب في حد ذاته عملا تمرديا وثوريا، كما كان ارتداؤه قبل الثورة.
عندما دخلت المذيعة المحجبة التلفاز، وأصبحت مستشارة الرئيس، خلعت الشابات هذا الحجاب، لإنه أصبح على كرسي الحكم.
وصول الدين للسلطة أثبت أن العيب، لم يكن في عدم تدين الحاكم والبعد عن الشريعة.. أثبت فقط أن المعيار هو الفكر والعلم والإمكانيات في الإدارة.. ليس بعدا أو قربا عن دين أو شريعة.. شريعة لم يتفق رجلا دين فقط على تعريفها.. إذا الخروج من إحباطنا ليس له دخل بتدينا.
لإن تضارب الخطاب الديني جعل البنت تشك في كل ما سمعته من هذه الرموز الدينية من قبل، فمن أكد أن الحجاب فرض، يؤكد الآن أنه رأى الرسول في المنام يقول إن هذا السياسي خليفته، ومن أكد لها أن الحجاب قبل الحساب، أصبح ينشيء حزبا مع أصحاب رؤوس الأموال!
ملاحظات هامشية:
هذه قراءتي الشخصية للموضوع:
اتكلم عن بنات الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة.. أي من يعتبر الحجاب قرار فكري مرتبط بقناعة، وليس بإجبار مجتمعي أو كظرف إقتصادي، وهذه الشريحة هي أقلية.
لا أعمم كلامي على كل رجال الدين، فهناك قلة قليلة قد تكون عكس كل ما قلت، لكن هذا رأيي عن الأغلبية.
في رأيي الشخصي هناك رابط بين انتشار الحجاب والتحرش الجنسي، لا نستطيع إغفاله، وأكبر دليل على ذلك هو أن أعلى نسب تحرش في العالم هي في أكثر الدول انتشارا للحجاب.
أنا شخصيا لا اتبنى وجهة نظر دينية أو فكرية عن الحجاب، وأنا لا اتمنى أن تخلع البنات الحجاب أو ترتديه، أنا فقط كاره لفعل أي بنت -أو أي شخص- شيء بناءا على ضغط مجتمعي.
لكن رأيي أيضا أن تحجيب البنات من الصغر، قبل وصولهم لسن الرشد، يعد فعل في قمة الظلم، ويندرج تحت مسمى \”أدلجة الأطفال\”، وهو جريمة أخلاقية، مثله مثل الختان.
أخيرا:
كل أملي أن لا يرتبط الحجاب بأي شيء، لا يظنه هذا دليل تدين، ولا يظنه الآخر دليل تخلف.. هو كما هو بديهي حرية شخصية.
لكن حلمي الآهم، أن لا يكون عدم التحجب أيضا دليل زندقة أو دليل تحرر.. هو أيضا حرية شخصية، ولا يمكن أبدا تصويره وتخيله كشكل من أشكال دعوة من البنت للتحرش بها، ولا يقلل أو يزيد منها في شيء.
هناك من رأيه أن الحجاب قبل الحساب.. هو حر.
لكن أنا رأيي الشخصي، إن الحجاب مايخصش إلا من لبسته أو اللي اختارت إنها ماتلبسوش.