عمرو حمزاوي يكتب: في القمع يتساوى هشام جعفر مع أحمد ناجي

أليست هذه لحظة مواتية للاعتراف الجماعي بالخطأ القاتل الذي ارتكبه كثيرون من رافعي شعارات الليبرالية واليسار الديمقراطي والعلمانية (المختبأة في الفضاء العام خلف المفهوم المراوغ للمدنية) باستدعاء الجيش للتدخل المباشر في الحياة السياسية والانقلاب على بدايات لم تكن أبدا مكتملة لشيء من التحول الديمقراطي؟

وصف ليبراليون ويساريون وعلمانيون استدعاء الجيش \”كمقدمة ضرورية لاستعادة ثورة يناير 2011 ولاستعادة مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية ولإنقاذ هوية مصر من تجار الدين ومتطرفيه ولتأسيس عقد اجتماعي جديد بين المواطن الحر والمجتمع الحر وبين الدولة الوطنية العادلة\”، في تغييب شامل للخبرة التاريخية المصرية منذ 1952 وللتحليل السوسيولوجي والاقتصادي الجاد لمصالح الجيش وانحيازاته وللمعلوم في دراسات العلوم السياسية بشأن المؤسسات النظامية (الجيوش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية) التي تنزع لاحتكار شؤون الحكم والسلطة ما أن تتناحر القوى المجتمعية والسياسية أو يبدو وهنها وعجزها عن حشد تأييد شعبي مستقر.

غير أن استدعاء الجيش، وما أعقبه من إلغاء البدايات الديمقراطية وإسقاط مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة الذي حمل في 2012 و2013 العديد من المصريات والمصريين على المشاركة في الحراك الشعبي ضد الرئيس السابق محمد مرسي، لم يكن له أن يرتب سوى إطلاق هيمنة المكون العسكري-الأمني على الدولة وإطلاق اليد القمعية لهذا المكون لكي تهجر المواطن من الفضاء العام وتقمع حرية التعبير عن الرأي وتخضع المجتمع وتميت السياسة.

أليست هذه لحظة مواتية للاعتراف الجماعي بالوهم القاتل الذي تورط بترويجه ليبراليون ويساريون وعلمانيون لم يساوموا على حقوق الإنسان والحريات، إلا أنهم ظنوا أن الانتهاكات والمظالم التي سرعان ما ألحقها المكون العسكري-الأمني العائد إلى الحكم المباشر بعد 3 يوليو 2013 بمعارضيه من جماعة الإخوان وحلفائها لن تتسع سياقاتها لتسقط ضحايا آخرين لا شأن لهم بالإخوان أو باليمين الديني؟

هنا أيضا، لم يكن لاستدعاء الجيش إلى السياسة وهيمنة المكون العسكري-الأمني على المواطن والمجتمع والدولة سوى أن يراكما الانتهاكات والمظالم على نحو يتجاوز حدود \”الإخوان\” الذين انجرف بشأنهم كثير من الليبراليين واليساريين والعلمانيين إلى قبول أن تلصق بهم جماعيا \”الهويات القاتلة\” للإرهابيين والمجرمين وخونة الأوطان والمتآمرين، وأن تنزع عنهم بفاشية مقيتة كل قيمة إنسانية وأخلاقية ووطنية، وأن تستساغ بحقهم هيستيريا العقاب الجماعي دون اعتبار لمبادئ سيادة القانون التي من غيرها تنهار ضمانات الحقوق والحريات. هنا أيضا، لم يكن للمكون العسكري-الأمني أن يطلق يده القمعية ويبقيها مقتصرة على \”الإخوان الإرهابيين\” وحلفائهم، أو أن يباعد بينها وبين من رفضوا الاستسلام للاستبداد العسكري كبديل وحيد لخطر الاستبداد الديني أو أرادوا مواصلة التعبير الحر عن الرأي والحراك السلمي في الفضاء العام للمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. هنا أيضا، لم يكن أمام \”إدارة الجنرالات\” سوى أن تلصق \”هويات قاتلة\” أخرى بالأصوات الديمقراطية ودعاة حقوق الإنسان الذين تحولوا إلى \”طابور خامس من الخونة والمتآمرين\” على الدولة والأمن القومي، وأن تندفع بعنف كارثي إلى نزع الإنسانية عن كل مواطن يختلف معها ويأبى التنازل عن حرية التعبير ويقاوم بسلمية تهجيره من الفضاء العام، وأن توظف أدوات يدها القمعية لتهديد وتعقب المواطن الرافض للامتثال \”للأوامر والتعليمات\” ولإرهابه وسلب حريته وربما قتله.

هنا أيضا، لم يكن سوى وهم أن يتصور كثير من الليبراليين واليساريين والعلمانيين حضور حدود فاصلة بين القمع والعصف بسيادة القانون الذين أطلقا اليد القمعية لسلب حرية وقتل وتصفية منتمين لجماعة الإخوان المسلمين لم يثبت عليهم ممارسة العنف أو الخروج على القانون، وبين قمع مصريات ومصريين ينشدون الحرية من طلاب وشباب وطفل \”وطن بلا تعذيب\” مرورا بضحايا قانون التظاهر وضحايا \”ذكرى محمد محمود\” وصولا إلى الأطباء المدافعين عن كرامتهم الإنسانية والمهنية وجموع المواطنين الذين خرجوا إلى الفضاء العام رفضا للقتل خارج القانون الذي ترتكبه الأجهزة الأمنية في القاهرة والأقصر ومواقع أخرى. فإدارة الجنرالات لا تقبل أن تعين لقمعها الحدود، ولا تميز أبدا بين حرية التعبير عن الرأي في الكتابة السياسية وبين حرية التعبير عن الرأي في الإبداع الأدبي، ولديها تنتفي الفوارق بين هشام جعفر وإسماعيل الإسكندراني وبين أحمد ناجي.

أليست هذه لحظة مواتية للاعتراف الجماعي بالسطحية البالغة لرؤية كثير من المنتمين للأفكار الليبرالية واليسارية والعلمانية ممن توقعوا أن وصائية المكون العسكري-الأمني فيما خص شؤون الحكم والسلطة وباتجاه المواطن المخير فقط بين الامتثال \”للأوامر والتعليمات\” وبين القمع والعقاب والمجتمع المطلوب منه جماعيا الحشد والتأييد العلني أو الصمت والموافقة الصامتة والامتناع عن المعارضة، توقعوا أن هذه الوصائية لن تغادر سريعا شؤون الحكم والسلطة وتغزو كافة مساحات الفضاء العام تارة محملة بوطنية شوفينية مريضة وأخرى بفهم ذكوري ورجعي للقيم الدينية وأنساق الأخلاق والعادات والتقاليد هدفه الوحيد هو القضاء على حرية الإبداع وقمع حرية التعبير عن الرأي؟

صدقوني، في عالم المكون العسكري-الأمني وفي دنيا استبداده لا فارق أبدا بين اتهام المصريات والمصريين الذين خرجوا عفويا في الدرب الأحمر ليعترضوا على قتل مواطن على يد أمين شرطة \”بالتآمر على الوطن والدولة والأمن القومي وخدمة المخططات الأجنية\”، وبين تخوين الأطباء الذين احتجوا سلميا على عنف بعض عناصر الأجهزة الأمنية وعلى امتهان كرامتهم وشرف مهنتهم، وبين النزع الزائف للوطنية عن كل صوت ديمقراطي يرفض الاستبداد ويدين الانتهاكات والمظالم المتراكمة ويذكر بفضيحة \”جهاز الكفتة، وبين سلب حرية صحفيين مارسوا حقهم في التعبير الحر عن الرأي كهشام جعفر وإسماعيل الإسكندراني، وبين منع باحث من زيارة وطنه لعدم \”استساغة\” آرائه المعارضة كما حدث مع عاطف بطرس، وبين حبس أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام.

ليس الاستبداد سوى مأساة معاشة تستنسخ باستمرار وقائعها الكارثية والبائسة في كل موقع ومساحة ومكان، وليس الانعتاق منه بممكن سوى بالاعتراف بالأخطاء والخطايا التي ارتكبناها.

يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع  \”زائد 18\”، و\”مدى مصر\”، و\”قل\”،و \”زحمة\”. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top