الإثنين 22 مايو 2017 على القهوة
أحدهم يقرأ الجريدة على التربيزة المجاورة، أمامه فنجان القهوة، يختفي وجهه تماما أمام الجريدة المكتوب على ظهرها بالبنط العريض \”لجنة السياسة النقدية برئاسة طارق عامر، محافظ البنك المركزي تجتمع في ساعة متأخرة أمس ليتم إعلان رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 200 نقطة أساس من 14.75% لـ16.75% ومن 15.75% لـ17.75% على التوالى، وسعر الائتمان والخصم من 15.25% لـ17.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى من 15.25% لـ17.25%\”
– صديقي أثناء سحبه لكرسي وجلوسه بجواري: ايه الأرقام اللي على ضهر الجرنال دي وبعدين هو ايه سعر الفايدة ده كمان (هات قهوة فرنساوي مظبوط).
سعر الفايدة بتاع البنوك -اقتصاديا- يعني هو السعر الذي يدفعه البنك المركزي على إيداعات البنوك التجارية. ويعد هذا السعر مؤشرا لأسعار الفائدة لدى البنوك التجارية التي ينبغي ألا تقل عن سعر البنك المركزي، كما يعتبر سعر الفائدة أداة من أدوات البنك المركزي في التحكم في عرض النقد في التداول من خلال تغيير السعر صعودا ونزولا على المدى المتوسط. ورفع الفائدة يعني تقليل عمليات الاقتراض وتشجيع الادخار وبالتالي تقليل نسبة السيولة في السوق مما يؤدي إلى خفض نسبة التضخم (ارتفاع الأسعار).
يعني حضرتك لقيت سعر الفايدة عالي قمت رايح بدل ما بتصرف كتير، قلت لا انا اقتطع جزء من مصاريفي على قرشين محوشهم واحطهم في البنك وآخد عليهم عائد مالي عالي، او حضرتك لقيت سعر الفايدة قليل تقوم تفكر إنك تحصل على قرض تعمل مشروع يحقق عائد أعلى تسدد القرض والفائدة وفي نفس الوقت تنتفع.
– طيب ما أنت بتقول إن رفع سعر الفايدة يؤدي لخفض نسبة التضخم أهو، يعني القرار صح؟
أنت درست السؤال ده قبل ما تسأله؟!
بص يا صديقي، مصر دلوقتي في مرحلة محتاجة استثمارات داخلية وخارجية في ظل توقف السياحة وقوانين الاستيراد الجديدة وارتفاع سعر الدولار وعدم منافسة المنتجات المحلية لمثيلاتها المستوردة، فحضرتك لو مستثمر هتعمل مشروع في مصر عن طريق الاقتراض، هتقلق أن المشروع العائد منه مايغطيش القرض والفايدة، وفي النهاية تلاقي نفسك بتستلف علشان تسدد القرض والفايدة ومصاريف مشروعك. هنا المخاطرة هتبقى عالية، إنما لو سعر الفايدة منخفض هتتشجع إنك تقترض وتعمل المشروع، وطالما مش هتعمل المشروع يبقى مفيش شغل، يعني في بطالة، وطالما في بطالة يعني مفيش دخل، وطالما مفيش دخل يعني مفيش صرف، وطالما مفيش صرف يعني مفيش بيع أو شراء.
وهنا تحصل حالة كساد، وطالما حصل كساد يبقى رجعنا لمربع صفر بمخاطرة أعلى إن المستثمر هيخاف يستثمر ويعمل مشروع علشان الكساد وارتفاع سعر الفايدة.
– ثواني.. طيب طالما البلد ظروفها كده وكمان في كساد، رفعوا سعر الفايدة ليه؟
ما أنا قلتلك إن سعر الفايدة يعتبر أداة من أدوات البنك المركزي للتحكم في عرض النقد المتداول، والبلد فيها تضخم بنسبة 35% تقريبا. يعني في ارتفاع مفرط في الأسعار، يعني سيادتك بتدفع فلوس كتير، تلاقي نفسك واخد خدمة أو سلعة قليلة، مثلا يعني وأنت قايم من القهوة دلوقتي هتروح تشتري عشا، وأنت مروح تلاقي نفسك جايب لبن وفينو وفول وشوية جبن ودافع مثلا 100 جنيه في حين نفس العشا ده أنت كنت بتشتريه مثلا بـ 50 أو 60 جنيه، تاخد المدام والأولاد تشتري لهم لبس وتلاقي نفسك دافع مبلغ وقدره على شوية حاجات قليلة مع أن المبلغ ده قبل كده كان يجيب حاجات أكتر من كده.
– يخرج سيجارة ويشعلها. أيوة يعني رفعوا سعر الفايدة ليه طيب؟
علشان دي خطة يا ابني.
– ينفث دخان السيجارة بسرعة مستطردا. خطة! خطة ايه المهببة دي؟
دي خطة صندوق النقد الدولي علشان يديك شريحة من القرض اللي إحنا تعاقدنا عليه، هما شايفين إن في تضخم فـ عايزين التضخم ده يقل، فبيمنعك تصرف أساسا وبيشجعك إنك تحوش في البنك علشان تاخد عائد بنكي أكبر، وبكده البنوك يكون فيها رصيد أكبر علشان يضمن إنك معاك فلوس وهو بيديك القرض.
– طيب والدولار سعره هيقل ولا هيزيد؟
(رشفة من كوب الشاي الخمسينة). لو الأجنبي واثق فيك اقتصاديا، الإيداعات هتزيد في البنوك، لأن سعر الفايدة على الدولار أقل من سعر الفايدة على الجنيه، فأنت كده هتشجعه إنه يستثمر، إنما لو مش واثق فيك اقتصاديا، ولا هيقربلك وهيخاف يستثمر وبكده الجنية هينهار والدولار هيعلى.
– يتحرك بالكرسي ليجلس أمامي مباشرة. طيب بقولك ايه: صندوق النقد ده ناس من برة وبتفهم وأكيد عارفين هما بيعملوا ايه، مفيش بلد كده حصل معاها نفس الخطة ونجحت؟
في طبعا
– مين الله يباركلك؟ قول.
بص يا بوب التجارب الناجحة مع صندوق النقد الدولي أقل كتير من التجارب الفاشلة، بس عموما هكلمك في الناجحة، عندك مثلا تركيا وماليزيا وإندونيسيا، الدول دي قدرت خلال كل شريحة من شرايح قرض صندوق النقد الدولي أنها تستفيد بيه.. ماتضيعوش، بحيث إن شريحة القرض تحقق عائد فوق القرض والفايدة قبل شريحة القرض اللي بعديه. اتجهوا للصناعة وتشجيع ودعم أنشطة الأعمال وتحريرها من القيود القانونية، وخلق مناخ استثمارى جيد يجذب المستثمرين لدرجة مثلا إن دولة زي ماليزيا قالت بس كفاية كده مش عايزين نكمل اتفاقية القرض وعايزين نجدول ديوننا.. إحنا كده وقفنا على رجلينا وهنعرف نكمل، بس عملوا ايه؟ استفادوا من القرض وصارحوا الشعب بخطة الحكومة الاقتصادية والكل مشي في اتجاه واحد، سواء بنك مركزي أو حكومة أو مجلس نواب ماليزي.
– طيب والتجارب الفاشلة -ربنا يسترها علينا يعني- وصلت فين؟
التجارب الفاشلة مع خطط صندوق النقد الدولي مقسومة اتنين، دول راحت ومش لاقينها، ودول فشلت وقررت تكمل بنفسها من غير النقد الدولي. الدول اللي راحت خلاص زي اليونان وغانا وزامبيا، إنما الدول بقى اللي فشلت مع النقد الدولي واعتمدت على نفسها ونجحت البرازيل.
– برازيل! برازيل ايه يا جدع دي من ساعة كاس العالم كوريا واليابان، ماكسبتش ولا مرة.
كأس العالم! كأس العالم ايه يا ابني، إحنا بنتكلم في الاقتصاد وصندوق النقد، ايه اللي جاب كأس العالم في اللي أنت بتقوله ده.
– (ضحك صديقي بصوت عالٍ قائلا): يا عم بهزر معاك، عملت ايه البرازيل مع صندوق النقد؟
كسبتة في الدقيقة 90 (ضحك متواصل بيني وبين صديقي). البرازيل دي كانت دولة فقيرة ملهاش في حاجة غير الكورة زي ما أنت بتقول كده. سياسيا، مرت على كتير من الانقلابات العسكرية، واقتصاديا، كانت مديونة لدول كتير وفيها نسبة بطالة عالية ونسبة تضخم كبيرة لغاية 2003 قام من على الدكة لاعيب برازيلي اسمة لولا دا سيلفا كان في شبابه رئيس حزب العمال وكان مسجون سياسي رشح نفسه رئيس جمهورية وفاز فعلا بالرئاسة. المهم لولا دا سيلفا طلب من صندوق النقد الدولي 30 مليار دولار قرض علشان يبدأ إصلاحات. طبعا صندوق النقد دخل عليه الدخلة اللي إحنا فيها دلوقتي دي، ترفع سعر الفايدة وترفع الدعم عن الوقود والسلع الأساسية ودي شروطنا ودي خطتنا. المهم لولا دا سيلفا وافق وخد أول شريحة من القرض تزامنا مع تنفيذ خطة صندوق النقد كانت كل الأرقام والدلائل بتقول إن الوضع الاقتصادي بيزداد سوء والشعب البرازيلي ماستحملش. لولا دا سيلفا قرر إنه يتوقف عن استلام باقي شرائح القرض وصارح شعبه إنه هيخرج من تحت صندوق النقد الدولي وهينفذ الخطة هي هي بس بدل ما ياخد منهم ويدفع قروض وفوائد هياخد منهم ويدفع في البرازيل نفسها. وفعلا في 2010 سدد لولا دا سيلفا شريحة القرض لصندوق النقد الدولي وأصبحت البرازيل من أول 10 أقوى اقتصاد في العالم، لا وايه ده كمان البرازيل بقت بتسلف صندوق النقد الدولي.. تخيل؟
– طيب ايه اللي يمنعنا إننا نعمل كده؟
بص علشان نعمل كده، لازم إدارة البلد تكون فاهمة ودارسة كويس جدا الأزمة اللي إحنا فيها، وتحصل مصارحة للشعب بخطة واضحة ومدروسة، وكل الشعب من أول أصغر مواطن مسئول لأكبر مواطن مسئول يكون عارف دوره. لكن -للأسف- إحنا مازلنا بنكرر أخطاء الآخرين. كل الدول بتحاول على قد ما تقدر إنها تقلل سعر الفايدة لـ 1% علشان تشجع الاقتراض ويحصل مشاريع جديدة والبطالة تقل، إلا إحنا مازلنا مصممين نكرر فشل الدول اللي فشلت ونرفع سعر الفايدة في ظل حالة الكساد.
الاقتراض مش حرام، بس له شروط، علشان كده الإسلام حرم الربا وصفر سعر الفايدة خالص عند الإقراض، علشان الناس تقترض وتعمل مشاريع كبيرة وصغيرة والغير ينتفع. يا ابني سعر الفايدة مافيهوش فايدة.
والله عندك حق، حاسب لي بقى على القهوة علشان اقوم أجيب بالــ 100 جنيه دي شوية جبنة ولبن عشا، آخدهم وأنا مروح.