عماد بهجت يكتب: فتيات البورنو.. والناشط الإباحي المتحرش

بادئ ذي بدء، استميح القارئ عذرا على العنوان الذي يشبه مانشيتات الجرائد الصفراء أو الترجمة العربية الرديئة للأفلام الأجنبية في الثمانينيات، ثم فليسمح لي أن أحكي له قصة جيمس دين.
جيمس دين المقصود هنا ليس هو نجم هوليوود الشهير الذي توفي في ريعان الشباب، بل هو ممثل أمريكي معاصر تخصص في أفلام البورنوجرافي الإباحية.

شهرة \”دين\” لا ترجع فقط لعمله في مجال البورنو، لكن لأنه اشتهر في هذا المجال بنشاطه \”الحقوقي\” إن جاز التعبير، فدين صرح في عدة مواضع بموقفه المؤيد لقضايا حقوق المرأة وللمبادرات النسوية المطالبة بها، حتى إن موقع النساء الشهير \”ذا فريسكي\” أفرد له مقالا دوريا، وكذلك شارك دين في عدة مبادرات لنشر ثقافة التراضي الجنسي، وأصبح أحد أعلام هذا الاتجاه، كما أن دين شارك أيضا في عدة حملات تنادي بالمساواة في الأجور بين ممثلي الأفلام الإباحية من العرقيات المختلفة (حيث إن الممثلين بيض البشرة يحصلون على متوسط أجور أعلى من زملائهم ذوي البشرة السمراء، ولذلك قصة طريفة ليس هذا موضعها).
مؤخرا، ومنذ حوالي العام، بدأت صورة دين المثالية في التشوه، بدأ الأمر بتغريدة من صديقته السابقة –وزميلته السابقة أمام الكاميرا أيضا- اتهمته فيها باغتصابها ومواقعتها دون رضاها، ثم انهمر سيل من الشكاوى المماثلة، من عدد من ممثلات الأفلام الإباحية اتهمن دين بـ\”تعدي حدوده\”، والتحرش الجنسي بهن في مواقع التصوير وكذلك في الحفلات التي عادة ما تلي الانتهاء من تصوير فيلم إباحي.
أثارت تلك الاتهامات -التي أنكرها دين بالكلية، واتهم رامياتها بالكذب والتشهير- عاصفة من الغضب تجاه النجم المحبوب، وألغى على إثرها موقع ذا فريسكي تعاقده مع الممثل الشاب، وحذف موقع مشروع التراضي (مبادرة أمريكية ضخمة تهدف للتوعية بضرورة الموافقة على أي ممارسات جنسية) المقابلة التي كان أجراها مع دين في سياق التسويق لقضية المشروع، وأعلن أكثر مواقع البورنو تعاملا مع دين قطع علاقتهم به فورا، كما أعلنت رابطة حقوق الممثلين البالغين (أو الإباحيين) أن دين قد تقدم باستقالته منها طوعا عقب هذه الزوبعة.
والآن عزيزي القاريء، بعد أن لمسنا معا طرافة الخبر بمقاييسنا، دعنا نجري مقارنة تحليلية سريعة بين محتوى الخبر وبين واقعنا المصري هنا والآن:
أولا: يدور الموضوع حول ممثل إباحي أعرب عن آراء متفتحة وصحية، فدُعي للمقابلات والحوارات وأُخذت آراؤه لمساندة القضايا النسوية والتراضي الجنسي والمساواة بجدية، وأخذت مكانها في المواقع المتخصصة لا في صفحات الطرائف أو أخبار الفن، بينما نحن هنا يُحاكم النشطاء الأُصلاء أخلاقيا ويُذبحون على نُصُب تقاليد المجتمع، إثر مكالمات مسجلة يذيعها مخبر لدى أجهزة الأمن على درجة إعلامي.
ثانيا: ادعت صديقته الحميمة اغتصابه لها؟ فتعاطف معها الرأي العام وأدانه وهو النجم المحبوب، بينما نحن نعيش في مجتمع مازال لا يرى –في أغلبه- في اغتصاب الزوج للزوجة ما يستدعي المؤاخذة.
ثالثا: تم التعامل بجدية مع ادعاءات من ممثلات إباحيات يدعين التحرش بهن في مواقع تصوير أفلام إباحية وفي الحفلات الماجنة التي تليها، بينما في مجتمعنا تُستباح في الطرق العامة حرة الشعر ومرتدية البنطال وتُلقى عليها لائمة التحرش بها.
هنا تجبرني قواعد كتابة المقالات على كتابة فقرة ختامية مؤثرة ذات طابع مسرحي، لكن مرارة المقارنات السابقة لا تترك لي كلمات إلا التاليات:

قد يكون عزاؤنا الوحيد –معشر سكان العالم الثالث- هو صعود اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا، والذي يهدد بجرهم إلى مستنقعات الإقصاء والاستعلاء الأخلاقي ومحاكم تفتيش الضمائر التي نرزح في نيرها هنا، علّنا نجد في التساوي في الظلم بعض العدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top