\”الحكم على إسلام البحيري بخمس سنوات في تهمة ازدراء الأديان وإهانة العلماء وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة\”.. خبر قصير بيحمل دلالات كتيرة سياسية وقانونية ويجب مناقشته من أكتر من زاوية، ممكن نتناولهم بترتيب ورودهم في الخبر:
أولا \”الحكم\”:
القضاء المصري أثبت على مدار السنتين الماضيتين إن أحكامه في أي قضايا ذات طبيعة سياسية أو قضايا رأي عام أو قضايا متورط فيها أسماء معروفة، هي أحكام سياسية في المقام الأول، والجانب القانوني منها شكلي، يعني الأحكام القضائية بقت مؤشر للمزاج العام للدولة، فليه الدولة كانت عايزة تعاقب إسلام بحيري؟ بمعنى أدق، مين هو إسلام بحيري بالنسبة للدولة؟
ثانيا \”إسلام البحيري\”:
إسلام البحيري –المفروض- باحث في التراث وبيسعى لبث روح التجديد في الدين – واقعيا- إسلام البحيري ممكن نسميه مجددا بأدوات تراثية، لأنه عادة ما بيبدأ نقاش أي قضية من منظور إنساني بحت (رفض زواج الصغيرات، رفض حد الرجم …. إلخ)، بس منهجه في الرفض ده بيبقى بنفس الأدوات اللي بيستخدمها الفقهاء والمحدثين بالظبط.. زي الطعن في عدالة رواة الأحاديث أو تزامنهم.
عادة إسلام البحيري بيثير حفيظة معظم الناس، الثوار مابيحبوهوش علشان يبدو دائما على يمين السلطة وراضي عن تجاوزاتها الأمنية المستمرة، والإسلاميين مابيحبوهوش –بطبيعة الحال- علشان بيطعن في ثوابتهم، والمحافظين مابيحبوهوش علشان مزيج من أسباب الإسلاميين، زائد أسلوب البحيري المستفز، والمليء بالصلف والتسفيه من الآخر.. بس هل دي الأسباب اللي خلقت عند السلطة رغبة في عقاب إسلام البحيري أو التمثيل بيه؟
الإجابة لأ.. الدولة ضد إسلام البحيري لأسباب كتير، منها رغبة الدولة في التأكيد على كون حربها مع جماعات الإسلام السياسي فقط مش مع الدين الإسلامي ككل، ومنها الكراهية الفطرية من الدولة المحافظة الأبوية لكل ما هو ثوري أو تجديدي حتى التفكير الثوري، ومنها الرغبة في تقديم \”قربان\” للأغلبية المحافظة.. قربان رخيض ومالوش ضهر ولا دية، وأهمها –في رأي كاتب هذه السطور- إن الدولة شديدة الإيمان بالمركزية، ولا تفضل وجود أي جماعات غير مركزية ولا تتبع قيادة دينية موحدة (الأزهر – الكنيسة – الدعوة السلفىة) يمكن مخاطبتها أو تهديدها أو مساومتها واستغلال تأثيرها على اتباعها.
ثالثا \”بتهمة إزدراء الأديان\”:
هل ازدرى إسلام البحيري الإسلام؟ طلع في أي وسيلة إعلام نعت الإسلام بالنعوت اللي عادة بينعته بيها الناس اللي \”بتزدريه\”؟ هل مثلا وصف الإسلام بالرجعية أو بالتخلف أو بالوحشية؟ الإجابة: لأ.. إسلام البحيري عنده رؤية مختلفة للدين وبيطرحها على إنها هي الرؤية الأمثل، وده اللي بيعمله أي مؤيد لأي مذهب في الواقع.. هو أسلوبه عنيف جدا مع أصحاب وجهات النظر الأخرى.. بس نفس العنف ده أو أشد، بيبديه السلفيين مثلا تجاه الصوفيين، وده لا يقابله أي اتهام بازدراء الأديان!
هل يرى عاقل إن اللي عمله إسلام البحيري في الإسلام شبه اللي عمله أبو إسلام الداعية السلفي في المسيحية، من حيث كونهم هما الاتنين ازدراء للأديان؟!
رابعا \”إهانة العلماء\”:
قوانين تجريم إهانة الرموزK هي مجموعة من القوانين ذات الطبيعة الوثنية، بتعلي من شأن جمادات مادية أو معنوية على حقوق البشر وحرياتهم، وتطبيقها معناه إن كبرياء الأغلبية وتضخم ذاتها أهم من الأقليات كبشر. وعلى صعيد آخر، فهي تهمة انتقائية جدا لا تنال إلا من اللي تغضب عليهم السلطة، ومالهوش شعبية ولا فصيل يحميهم.. اذكر فيما اذكر أن السلفي أبو إسحق الحويني وجه إهانات صريحة للغاية لعالم الدولة الأوحد علي جمعة، ومع ذلك لم توجه إليه تهم إهانة علماء ولا صدرت ضده أحكام.
خامسا \”إنكار المعلوم من الدين بالضرورة\”:
دي نقطة شديدة الضبابية والنقاش فيها أطول من إنه يدخل جوه المقال هنا، بس اللي ممكن أقوله هو إن بالتأكيد المسلم العامي العادي، معندوش أي فكرة عن اللي بيناقشه إسلام بحيري عشان نعتبر اللي بيتحداه معلوم بالضرورة! ماعتقدش إن أكتر من تلاتة في المية من المسلمين يعرفوا إن علوم الحديث بتضم حاجات اسمها الجرح والتعديل والمصطلح والدراية والرواية.
كل اللي فات ده ممكن نعتبره مجرد تمهيد للمقصد من المقال، ألا وهو الكلمتين الجايين: إسلام البحيري شخص مستفز وتنقصه اللباقة ومعندوش منهج ثوري حقيقي ولا أفكار مبتكرة، ومتسامح جدا مع ممارسات قمعية شديدة العنف من النظام في حق خصومه الأيديولوجيين، إنما تهمته الحقيقية اللي بيتعاقب عليها هو إنه فرد مستضعف مفيش وراه حد، وإنه ضد المزاج العام في وقت السلطة فيه سهل جدا تضحي بأي حد من مؤيديها لأهداف سياسية، أو علشان تظهر بمظهر معين.
إسلام البحيري لا يجد أي تعاطف أو مساندة من صفوف الثوريين ودعاة الحريات، رغم إن قضيته دلوقتي حقوقية بامتياز، مش دينية ولا سياسية، لأنه وضع نفسه على يمين السلطة، رغم إن ألف باء المناداة بالحرية، هو المناداة بحرية الناس اللي مش شبهنا.. حرية الناس في مناقشة الأديان -وكل قضايا الشأن العام- وتمحيصها، حريتهم في الإيمان بالأديان أو تركها.. حريتهم في انتقاد أي ممارسات وحشية أو ضارة أيا كانت مرجعيتها، من غير ما يخافوا من محاكم تفتيش رسمية أو أهلية.