علي قنديل يكتب: أصنام من غازات

مازالت مصر هي أعظم الأوطان في صنع التماثيل، فقد صنعنا بالحضارة الفرعونية الكثير من التماثيل بالعديد من الخامات المختلفة، ومع وقتنا الحالي ستجد تماثيل مصنوعة مما يشبه الصخر وستجد ما هو مصنوع من القش ومُغلف بقديم الملابس ليتم تعليقه في تشّفي غير مكتمل بجوار زينة \”الشهر الكريم\” قبل أن نضرم فيه النار قبل بزوغ الشمس في عيد الفطر!

في الوقت الذي نعرف فيه قيمة المبدعين بعد رحيلهم -أو ندعي هذا لمنع الإحساس بالذنب أننا لم نعطهم حقهم الكامل في حياتهم- نحن لا نتأخر أبدا في صنع تمثال لأحط البشر، ونجعل منهم نجوما لمجتمع مُتخبط في زحام مليء بالأتربة لدرجة أنك لو مشيت بصوباعك على قلبك هيطلع فيه وساخات الحر والعادم دي!

من هم مشاهير وأيقونات هذا الوطن الذي نعيش به الآن؟ من هم المُحركين للرأي العام؟ ومن هم الذين يجمعون في مريدين من العامة يوما بعد يوم؟ والسؤال الأكثر قسوة للأسف.. من الذي ساهم في صنعهم؟

نحن، صنعنا من أحمد التبّاع ومجنون أحمد شيبة وسعيد الهوا وكل ما فات من عكاشة وسبايدر وما يستجد من فقرات إنسانية تافهة بلا أي هوية أو ثقل يستحق المتابعة.. نعم، مع كل 10 ثوان نتحدث عنهم أو نضغط على أيقونة الشير على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا السرطان الثقافي نتقاسمه بشراهة ونلاحق كل متطور منه، نسارع مثل عرائس لا عيون لها معدومة الحياة لنتغذى على كل ما هو تافه وبلا هوية!

نحن لا نتقاسم –وأتكلم عن الغالبية الكاسحة لا أعمم- إلا ما هو بلا جدوى، وما هو \”فاكس\”، ونساهم في نشره كالنار في الهشيم، وما نلبثَ أن نشتكي من انهيار الأوضاع وقلة المزاج وأن غضب الله قد صب على رؤوسنا نتيجة ما يفعله الآخرون؟

من هم الآخرون؟ الذين مثلنا مثلهم نلقي بفضلاتنا في الشوارع مثل أحصنة وحمير عربيات الكارو ونشتكي من قذارة الشوارع؟ ألسنا نحن من نقوم بدور الآخرين في أماكن مختلفة؟ طبيعي ومنطقي ألا يتبول المرء في منتصف الشارع الذي يسكن به، ولكن المنطق والطبيعي أن يتبول في أي مكان آخر.

أصبح الانحطاط هو المنتج الرئيسي على الزي الرسمي للوطن، لم يعد هناك متسع لما يفيد البشر أو يرتقي بحاضرهم أو مستقبلهم، وأصبحت تماثيل وأصنام هذا العصر مصنوعة من غازات كريهة، تأتيك من كل صوب وأحيانا تتغذى على طاقتك بالحديث عنها حتى ولو بالسلب أو السخرية، شريطة أن تظل موجودة فيما بيننا وحولنا، وبالتبعية، ستصبح مهمة تحطيم تلك الأصنام مهمة مستحيلة، ليس لأن كلنا إبراهيم وكل إبراهيم مرفوض في حضرة الأصنام، وإنما لأننا نتحدث عن اتجاه مُمنهج ومدروس ويتم دعمه بطاقة رأسمالية وسياسية كبيرة استطاعت أن تجلس الآن لتتابع هذه الطاقة الاجتماعية والشعبية التي تتفانى في نشر كل ما هو مُسرطِن ومُسرطَن.

لكن تأكدوا – والله على ما أقول شهيد- أن علينا جميعا إعادة رفع مقاسات أصنامنا الحاضرة والماضية من جديد، لأننا سنجد الكثير من تلك الأصنام.. أصنام من غازات.

وهناك حل أبسط.. أن نزدري الأصنام أصلا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top