أتوقع أن دارسي التاريخ بعد مائة عام سيقفون في حيرة أمام النزاع المصري – المصري حول مصرية تيران وصنافير، وسيسأل كل من تصادفه هذه الواقعة الغريبة نفسه: هل حدث هذا فعلا؟!
وقد لا تعدم مؤرخا ينكر حدوث مثل هذه الواقعة بحجة تعارضها المطلق مع منطق الأمور! فهل من المعقول أن تدافع دولة عن انتقاص أراضيها التي أستشهد في سبيل تحريرها الآلاف من أبنائها؟!
وهب أن النظام الذي يحكم الدولة رضي بهذا، فهل سيتفرج الشعب على أرضه تباع وتشترى دون أن يحرك ساكنا، هذا يجافي كل منطق وعقل.؟!
أما دارس التاريخ الذي سيستطيع أن يتخطى دهشته وذهوله، فسيصنف هذه الواقعة تحت عنوان \”واقعة عجيبة\” وسيقول:
ولقد ذكروا أن النظام المصري أراد أن يبيع لأول مرة -صراحة- جزءا من الأراضي المصرية للمملكة العربية السعودية وقتها، وعلى أثر هذا القرار الغريب انتفض أحرار الشعب في يوم جمعة أسموها جمعة الأرض، ولقد تعامل النظام مع الشباب وقتها بغلظة ووحشية ورمى في السجون منهم من رمى.
وكان الإعلام المصري يتكلم عن سعودية الجزيرتين كحقيقة مسلمة، واتهموا من دافع عن مصريتهما بالخيانة العظمى، وبعدم الانتماء إلى الوطن، وعلى كل قناة من قنواتهم ظهر خبير إستراتيجي -وهو بالمناسبة لقب يعطى صاحبة حق الإفتاء في أي شئ- فاردا لخرائط تدل وتبرهن على سعودية الجزيرتين، مع الكثير أيضا من السب والقذف في حق من قال بعكس رأيهم!
ولقد حكى لي من أثق في كلامه عن صحفي كبير -وقتها- أصدر كتابا في وقت قياسي يدافع فيه عن سعودية تيران وصنافير، هذا بخلاف العشرات من المقالات والتحقيقات التي أشادت بأمانة النظام الذي أرجع الحق إلى أصحابه!
ولقد ورد في بعض المصادر أن السودان وجدت أنها أمام فرصة حقيقية للمطالبة بحلايب وشلاتين حيث إن السودان وجدت أن مصر قامت ببيع الجزيرتين للسعودية بمنتهى البساطة، بل إنها بالتأكيد فوجئت كأي عاقل بسيل الحجج والتبريرات التي ساقها الإعلام المصري، وكتيبة من رجال السياسة عن مدى أحقية السعودية بالحصول على الجزيرتين، وبأنه ليس من اللائق ولا من الشرع أن نأكل حقوق الدول.
واطمأن النظام السوداني عندما سمع خطاب الرئيس المصري، وهو يتكلم بود شديد مع الرئيس القبرصي عن حقل الغاز الجديد وقتها \”ظهر\” ويشدد عليه بأن يأخذوا حقهم فيه لو كانوا قد نسوه، فكرت السودان وقالت أنا إذن أولى، أنا الجارة الأقرب والامتداد الطبيعي لمصر، فلن تخيب رجائي إن طلبت منها مجرد مثلث حدود هو حلايب وشلاتين، ثم إن هذه اللحظة التاريخية من الكرم في توزيع الحدود على الجيران لم ولن تتكرر، والتاريخ سيسأل أي مسئول يقف مكتوف الأيدي أمام هذه اللحظة، لِمَ لم تتحرك وتقتنص أي قطعة أرض في هذه اللحظة؟
وقد لجأ بعض المواطنين للقضاء المصري كملاذ أخير عله يصدر حكما ببطلان تسليم تيران وصنافير للسعودية، وبالفعل أصدر القضاء حكما بمصرية تيران وصنافير، ولكن ما لفت نظري أن الناس أندهشت من صدور الحكم المعارض لسياسة النظام، وكأن الناس كانت منتظرة من القضاء أن يوالي النظام في الخطأ والصواب، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة لأحكام القضاء في هذه الحقبة.
لا سامح الله من جعلنا محلا للوقائع المخزية في التاريخ.