شهر رمضان في مصر له طعم خاص، اعتادت الشعوب الإسلامية على هذه المقولة، فالشعب المصري شعب كريم أصلًا، ودينه يأمره بأن يصبح أكثر ما يكون كرمًا في شهر رمضان الفضيل، فلقد اعتاد الشعب المصري على نصب السرادقات التي تحوي موائد الأفطار العامة، والتي نسميها (موائد الرحمن) والتي كانت تزخر بأطايب الطعام والشراب طوال الشهر المعظم، فكانت هذه الموائد أفضل متنفس للمعدمين الذين قد لا يتذوقون طعم اللحم إلا على هذه الموائد كل سنة.
أما داخل البيوت فكان الناس يوسعون بقدر إمكانهم على أنفسهم وأهليهم طوال هذا الشهر الكريم، وكانت الأسر تبدأ من منتصف شهر شعبان في شراء الياميش الرمضاني، فمن النادر جدًا أن يخلو بيت مصري من الياميش بأصنافه وألوانه، مهما كانت الحالة الاقتصادية لهذا البيت، وتجد الأهل والأصدقاء وزملاء العمل يتبادلون الإفطار طوال الشهر، ويتفنن كل أهل بيت في إكرام ضيوفهم، على قدر سعتهم.
هذا كان فيما مضى من سنين، أما رمضان هذه السنة التي نعيشها، فهو رمضان ذو طعم خاص، رمضاننا الراهن رمضان بطعم الجوع! ، طعم أقترب حتى ممن كان يعتبر نفسه مستور الحال من تذوقه، فما بالك بالفقراء!
أصبح الصراخ من غلاء الأسعار شعار المرحلة، وحديث الساعة، ومادة السمر الوحيدة في كل الأوساط المصرية، الناس لم تعد مشغولة إلا بآخر أسعار الأرز والفراخ واللحم والسمك وووووووو.
رأيت اليوم ظاهرة أقسم أنني لم أرى مثلها قبل ذلك، كنت جالسا على مقهى بلدي في منطقتي الشعبية مع بعض الأصدقاء، فرأيت رجلا يقترب من سن الخمسين يتسول من الجالسين على المقهى، لكن ما صدمني أن هذا الرجل لم يكن وحده بل معه زوجته التي قد تصغره قليلا وابنته التي من الواضح أنها لا تتجاوز الخامسة عشر من عمرها.
هذا المنظر الذي لا أستطيع أن أصفه بأقل من الرهيب، منظر عائلة تتسول بكامل هيئتها، حتى وإن كان هذا دربًا من دروب النصب والإحتيال -في حالة سوء النية- تنبئك إلى أي درك وصلت حالتنا.
تخيل يا سيدي لو أنك إنسان محدود الدخل، كالكثير من أهلنا، وأنك مسئول عن أسرة تتكون من زوجة وأطفال، ودخل عليك شهر رمضان المعظم، أول ما سيقابلك هو رغبة أولادك في الفوانيس، ثم ستصدم أن زوجتك تطلب منك أصناف من الطعام قد لا تعلم نطق أسمها أساسًا، وإذا سألتها ستجيبك بأنها تعلمت كيفية صنعها من الشيف فلان الذي يقدم برنامجه على إحدى القنوات المتخصصة في الطعام.
هذه القنوات تطبخ لمن؟ لا أعلم، أشعر أنهم يكلمون شعبا آخر يعيش في دولة أخرى، لا يعاني كل من أقابله فيها من غلاء الأسعار، قنوات الطبخ هذه تعد برامج خاصة لرمضان، وتغفل أو تتغافل عن أن رمضان هذا العام لن يحتاج لجل وصفاتهم، لأنه رمضان بطعم الجوع.