علي خيري يكتب: إياكم أن تنسوا أعداءكم

أمشي في شارع قاهري المظهر، المارة فيه مصريو الشكل ولكنهم جميعا وبلا استثناء يرتدون قمصانا مرسوما عليها علم إسرائيل، أركض في الشارع كالمجنون، أسأل الناس أين أنا؟ فيردون علي بالعربية إننا في مصر، لا أدري أأفرح أنني لست في أرض العدو، أم أموت كمدا لأنني لم أعد أعرف من العدو!

وعندما أصل إلى هذه المرحلة -دائما هذه المرحلة- أستيقظ مفزوعا، وأتلفت حولي لأجد نفسي في غرفتي وعلى سريري.
أصبح هذا الكابوس يراودني باستمرار، وخاصة بعد جنازة شمعون بيريز الرئيس السابق للكيان الصهيوني، مجرم الحرب المعروف، ذلك الرجل الذي تربينا على كراهيته وكراهية كل ما ينتج عن الكيان الصهيوني، لدرجة أنك إذا قلت أمامي كلمة العدو فقط مجردة من أي إيضاح، فلن يتبادر إلى ذهني إلا هذا الكيان، هكذا تربينا، إلا أنني فوجئت ببكاء وزراء ورؤساء عرب في جنازته، فأصبت وقتها بحالة كالتي أشعر بها عند نهاية كابوسي الذي سبق ورويته لك، مرحلة عدم التمييز بين العدو والصديق.
المرة الأولى التي هاجمني فيها هذا الكابوس المرعب، كانت عندما رأيت شابة عشرينية تسير بجوار والدها وهي ترتدي عباءة عبارة عن علم بريطانيا- حقيقة للأسف- إذا رأيتها عن بعد قد تتصور أن أحدهم يلوح بعلم بريطاني من القياس الكبير، وهي ترتدي بالإضافة لذلك حجابا يحمل نفس العلم.
هذا المنظر الشاذ -من وجهة نظري- دفعني للتفكير، ألم تكن بريطانيا عدوتنا في يوم ما، ألم تحتلنا لأعوام وأعوام، ألم تكن بريطانيا هي المجرمة التي سفكت دماء المصريين في دنشواي ظلما في العام 1906، وقبلها أحتلتنا منذ العام 1882، ثم قامت بمذابحها المروعة لقمع ثورة أبائنا الكرام في 1919، تلك المذابح التي قصفت فيها القرى المصرية بالطائرات، كما هو مذكور في كتب التاريخ التي لم نعلم عنها أي شئ خلال دراستنا في المدارس، وبعدها أرتكبت الكثير والكثير من الجرائم في حق شعبنا، ما الذي حدث فينا إذن لكي نرتدي علمها ونحن في غاية الاعتزاز؟!

أظن أن أجدادي أنشأوا أبناءهم على كراهية هذه الدولة التي قتلتهم في شوارع بلادهم ومنعتهم من مجرد الحلم بالحرية أو الاستقلال، وكانت انجلترا بالنسبة إليهم هي العدو التقليدي، فوقتها يا صديقي لم يكن قد نشأ كيان يسمى إسرائيل، فكان همهم الأساسي تحرير بلادهم من نير المحتل الإنجليزي، ما الذي حدث إذن؟ كيف ينسى الأحفاد ما حدث في أجدادهم؟!

الإجابة يا صديقي أن هذا ما حصل، والأسباب يطول شرحها ويكفيني هنا أن أنبهك ألا تسرف في اللوم على الأحفاد، فهم لا يعرفون شيئا عما حدث لأجدادهم، ذلك لأن من يحكمونهم صمموا على أن يخرج الرجل فيهم خالي الوفاض من أي ذكرى عن كفاح أجداده -قد- تشعل في نفسه جذوة العزة التي تجعله يطالب بحقه هو الآخر في الكرامة والحرية.
ما أقوله هنا يا صديقي أن المشكلة التي تؤرقني وتجعل النوم يفر من جفوني، هو سؤال يقول: هل من الممكن أن يرى ابني أو حفيدي فتاة ترتدي عباءة تحمل علم الكيان الصهيوني؟ ما الذي يضمن لنا أن لا ينسى أحفادنا أن الكيان الصهيوني هو عدونا، وأنه قد أغتصب قدسنا وأرضنا؟ فكروا في إجابة لهذا السؤال ولا تغتروا بواقع الحال الذي يقول إننا نراهم الآن كأعداء.
ربوا أولادكم على أن هؤلاء الناس أعداؤهم، علموهم أن فلسطين أرضهم وأن القدس حرمهم، وإياكم إياكم أن تنسوا أعداءكم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top