علا غالي تكتب: عن مفهوم الإيمان واليقين

\"\"

من المقولات الشهيرة للفيلسوف والعالم الرياضي \”رينيه ديكارت\”. \” أنا أشك. إذن أنا موجود\” ولم يكن الشك منهجا تفرد به الفيلسوف وحده بل كان منهج كثير ممن سبقوه والذين أثروا الحياة الفكرية والعلمية إلى الحد الذي ننعم به اليوم. ولو تعرضنا لحياة الأنبياء أنفسهم وهم أصل العقائد الدينية والتي يتصور البعض أن منهج الشك أعدى أعدائها إلا أننا سنجد أن هذا المنهج كان بمثابة الشعلة التي أضاءت لهم الطريق لمعرفة الله.
فأنا اعتبر ما تفرد به ديكارت هو قدرته البليغة على التعبير ووضع أسس علمية لهذا المنهج والذي يبدأ بالشك ويمر بمراحل التحليل حتى ينتهي إلى الاستقراء التام. هذا المنهج الذي تأثر به كثير ممن خلفوه من الفلاسفة والعلماء في الغرب فكان له عظيم الأثر فيما وصلوا إليه اليوم من علم وحضارة وتقدم.
كنت استمع يوما لأحد أحاديث الشيخ الجليل \”محمد متولي الشعراوي\” عندما قال ما معناه إن \”ديكارت\” قد قام بتعقيد الأمور أكثر مما ينبغي. فلماذا يشك الإنسان ويعرض نفسه لهذه المتاهة للاستدلال على وجوده ورأى أنه يكفيه أن يقول \”أنا\” للاستدلال على هذا الوجود.
تعجبت لسبب وتفهمت لآخر. فأما الذي تعجبت له فكيف لمقولة \”أنا\” وحدها أن تكون كفيلة بالاستدلال على الوجود وشريطة الاستدلال هو القدرة على الخلق أو إحداث التأثير. فماذا خلقت مقولة \”أنا\” أو ما الذي أحدثته من تأثير؟
وتفهمت لأن من قواعد الإيمان \”كما يصورها\” دعاة الدين هو أن ننأى بأنفسنا عن الشك. فالشك هو عكس اليقين واليقين صفة المؤمن الحق. لكن:
ما هو تعريف اليقين؟
أظن أن في هذا التعريف تكمن إشكالية رجال الدين الذين لطالما كان منهج الطاعة التامة هو أولى مآربهم وتكمن كذلك إشكالية مجتمعات خضعت صاغرة لكل ما هو ديني دون حرج. فهل ينكر رجال الدين أن الشك كان منهجا لرسولنا الكريم ذاته ومن قبله أنبياء ورسل آخرين فلم يولد لديهم يقينا من اتباع. وإذا كان الحث الدائم على الاقتداء بسنة رسوله، فأظن أن الشك هو أولى السنن التي تستوجب هذا الاقتداء. وإنه لفرق شاسع بين الإيمان الذي يولد بعد مراحل من الشك إلى اليقين وذلك الذي يسمونه \”إيمانا\” وهو في حقيقته خضوع مفزع لكل فكر مشوه ومتطرف باسم الإيمان واليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top