علا غالي تكتب: سيناء والسلطة في سطور

في سياق تحليلي، يتناول كاتب صحفي وأحد القلائل المهتمين بالشأن السيناوي في جدول زمني التغيرات التي طرأت على سكان شبه جزيرة سيناء في آخر مائة عام إلى يومنا هذا. فالمجهودات التي قام بها هذا الصحفي الشاب في السنوات الماضية وقبل ثورة ٢٥ يناير بقليل يمكن أن تضعه في مصاف باحثي الاجتماع من الدرجة الأولى. وترجع أهمية علم الاجتماع \”sociology\” في الدول المتحضرة إلى تعزية ممارسات الأفراد إلى تأثيرات خارجية يمكن تغييرها فيتغير سلوك المجتمع إلى الأفضل بتحديد العناصر المؤثرة ووضع خطط وآليات لتغيرها.
ينقسم سكان سيناء -كما يقول الباحث- إلى بدو وحضر ويستشهد بأحد المراجع التي صدرت سنة ١٩١٦ عن طبيعة اعتقادهم الديني لـ \”نعوم شقير\” وهو كاتب لبناني اتصل بسيناء بحكم عمله في إدارة المخابرات في ذلك الوقت، فيؤكد أن اتصال سكان هذه المنطقة بالإسلام كان ضعيفا فلم يمارسوا أي من شعائره ولكنهم كانوا يمارسون بعض الطقوس الصوفية التي يتبركون بها.

فكيف تحولت جماعات منهم اليوم إلى التشدد الديني؟
يستطرد الصحفي الشاب قائلا: إنه بعد سقوط الخلافة العثمانية في سنة ١٩٢٤ نشأت حركات الإسلام السياسي وأسس
\”حسن عبد الرحمن البنّا\” جماعة الإخوان المسلمين على ضفاف قناة السويس والتي لم تكن أفكارها تختلف كثيرا عن أفكار الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل وكان يتبنى الخطاب الديني الطائفي على اعتبار أنه ضد المستعمر الإنجليزي. وبدأت تنشط في منطقة شبه جزيرة سيناء حركات الإسلام السياسي حتى عام ١٩٤٨ عندما فتح باب التطوع لكتائب المجاهدين للمشاركة في حرب فلسطين جنبا إلى جنب مع التحرك العسكري الذي كان يضم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عندما كان يخدم في الجيش المصري. فكانت كلمة الجهاد من أدبيات الفكر في ذلك الوقت وكانت تستخدم في العسكرية بصورة شائعة.

تأسست حركة الضباط الأحرار سنة ١٩٤٩ التي قامت لاحقا بانقلاب ١٩٥٢ وسيطرت على الحكم وبدأ التعاون مع القيادة المصرية وأهل سيناء سنة ١٩٥٦ وأنشأ عبد الناصر معسكرات حمل السلاح في سيناء لصد العدوان الثلاثي على مصر، لكن مع إلغاء الأحزاب بدأ الخلاف مع جماعات الإسلام السياسي وبدأت هذه الجماعات الدعوة إلى إحياء التنظيمات السرية من جديد وتم القبض على سيد قطب مع آخرين حكم عليهم جميعا بالإعدام على أثر الدعوة إلى اغتيال جمال عبد الناصر باعتباره رمز الكفر وتم إعدام سيد قطب ومن معه سنة ١٩٦٥وباتت دعوات الجهاد تتحول تحولا نوعيا من الجهاد ضد المستعمر الأجنبي إلى الجهاد ضد دولة الكفر لما لاقته جماعات الإسلام السياسي من ألوان العذاب في سجون عبد الناصر وما لاقته القبائل السيناوية من انتهاكات على أيدي الداخلية.
وبرغم كل هذا الاحتقان بين الدولة وأهل سيناء أعلن السيناوية عن انتمائهم الوطني عندما دعتهم إسرائيل للاستقلال عن مصر بعد هزيمة ١٩٦٧ وتنصيب أحد شيوخهم الكبار ويدعى \”سامي الهرش\” حاكما عليها، وبإعلام المخابرات المصرية تمت مجاراة الجانب الإسرائيلي الذي عقد بدوره مؤتمر الحسنة الشهير سنة ١٩٦٨ لإعلان استقلال سيناء عن مصر ففاجئهم الشيخ بدعوتهم للتفاوض مع القيادة السياسية في القاهرة بخصوص أي شيء يتعلق بسيناء، ورفض العرض الإسرائيلي أمام صحافة العالم وإعلامه.

وقد هرب الشيخ \”سامي الهرش\” بعد ذلك من مطاردة الإسرائيليين إلى أن وصل إلى القاهرة وقام عبد الناصر بتكريمه.
قامت بعد ذلك حرب ١٩٧٣ وحررت الأرض واستردت بالكامل سنة ١٩٨٢ طبقا لمعاهدة السلام سنة ١٩٧٩ ما عدا طابا التي استردت بعد سبع سنوات بمجهودات رجال مخلصين بالتحكيم الدولي سنة ١٩٨٩.
كانت سياسات الدولة تجاه سيناء صادمة ولم تتوقف عند حد كونها تهميشا لأهلها بل تطورت لتتحول إلى اعتداءات مستمرة من قبل الشرطة عليهم، فتفاقمت درجة العداء ضد الدولة بثقافة مجتمع قبلي لم يتعرض للمدنية الحديثة واحتفظ باصطلاح الجهاد منذ بدأه في حرب فلسطين وفي ظل استمرار وجود أطماع دول خارجية في هذه المنطقة لا تتوقف عن ضخ الأموال، تم تصعيد العداء إلى درجات خطيرة على الأخص بعد فض ميدان رابعة ومذبحة الحرس الجمهوري في يوليو ٢٠١٣.

وفي خطوة غير مسؤولة من قبل الدولة تنم عن جهل بطبيعة عمل الصحفي الاستقصائي الذي يعد من القلائل المتخصصين في الشأن السيناوي \”إسماعيل الإسكندراني\” والمتعلقة بأبحاث الاجتماع، قامت الدولة بإلقاء القبض عليه في نوفمبر ٢٠١٥ وتلا عملية القبض عليه بشهور قليلة وبالتحديد في أبريل ٢٠١٦ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تنص على تنازل مصر عن جزيرتي \”تيران وصنافير\” للمملكة العربية السعودية فتفقد مصر بنص هذه الاتفاقية السيطرة على مضيق تيران والذي يعد المدخل البحري الوحيد للساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء والذي كان دائما وأبدا مدخل التهديد لجمهورية مصر العربية وليس لشبه جزيرة سيناء وحدها.


كان من البديهي أن تتجه الدولة بعد عودة الأرض إلى تنمية سيناء لعدة أسباب أهمها استراتيجي لإنهاء الأطماع الاستعمارية المستمرة في هذه البقعة من أرض مصر بسياسات الاستيطان التي تفرض وجودها كدليل قطعي على ملكية الأرض والتي تتبعها إسرائيل في أراضي محتلة. السبب الثاني أن أهل سيناء هم جزء لا يتجزأ من شعب مصر ولهم مواقف مشرفة في حماية الأرض والدفاع عنها ولهم كل الحقوق التي يتمتع بها أهل الوادي كمواطنين مصريين. السبب الثالث مرجعه إلى إعادة التوزيع السكاني السيء في مصر الذي ترتب عليه كثافة سكانية مخيفة في مدينة القاهرة بلغت ٤٠ ألف نسمة في الكيلومتر المربع، يقابلها في مدينة العريش مثلا ١١ نسمة في الكيلومتر المربع.

والآن، أظن أن تنمية سيناء لابد أن تتحول لإحدى أولويات سياسة الدولة، فلم تعد رفاهية لأهلها بقدر ما أصبحت أمنا قوميا لجمهورية مصر العربية بالكامل، كما يجب أن تعي الدولة أن الحلول الأمنية وحدها قد أحدثت بالفعل كارثة في المنطقة.
فهل نحن نعيش في دولة؟ وما هي رؤية السلطة بالتحديد لحمايتنا شعبا وأرضا؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top