علا غالي تكتب: الإسلام بين التقليد والتجديد

مقتل فرج فودة ومحنة نصر حامد أبو زيد

لا يزال المجتمع يشكو ويعلو أنينه ولا يسع بعض أصحاب الجلابيب الداكنة والعمم البيضاء إلا أن ينظروا إليه لا مبالين ومعلنين \”نحن لا نطبق إلا شرع الله\”. بينما ترتفع أصوات واعية تنبه وتحذر. فيردد الدهماء: اتركوهم أيها الغافلون يطبقوا شرع الله فينا.
لا انسى واقعة شهدتها في الولايات المتحدة عندما سمعت ضجيجا في الشارع لأفتح النافذة فأجد جارنا المصري \”يجرجره\” رجال الشرطة إلى القسم لأنه كان يطبق شرع الله كما علمه رجال الدين. فقد اعتدى على زوجته بالضرب لكي يؤدبها، فما كان منها في غربتها إلا أن تستنجد بالشرطة. ولولا تدخل الجيران لما تنازلت عن حقها في مقاضاته، وانتهى بهما الحال إلى الطلاق.
وأود في هذا السياق الحديث عن اثنين من الكتاب والمفكرين المجددين في الفكر الإسلامي والذين تعرضوا لإشكالية مفهوم النص القرآني، هما الدكتور فرج فودة وهو دكتور فلسفة في الاقتصاد الزراعي والدكتور نصر حامد أبو زيد المتخصص في الدراسات الإسلامية، فابدأ بفرج فودة الكاتب والمفكر المصري وأحد دعاة التنوير في الفكر الإسلامي والذي ولد في ٢٠ أغسطس ١٩٤٥. وصدرت له عدة مؤلفات صعّدت العداء بينه وبين رجال الأزهر.
كان فودة يؤكد على أن المبدأ الأسمى في الإسلام هو الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومفهوم المعروف كما يصوره أنه ما تعارف عليه الناس في المجتمع. ومن منطلق هذا الفهم يصبح المعروف متغيرا بحكم الزمان والمكان. ويجعل من الإسلام دينا متحضرا يواكب العصر.
فيقول: ألم يكن التسري بالجواري معروفا في عهد رسول الله (ص) فاتخذ من السيدة ماريا القبطية سرية له. ألم يختف الرّق من مجتمعاتنا بالرغم من أن الإسلام لم يحرمه وأصبح منكرا، وهو ما كان معروفا في زمن النبي. واليوم لا يجرؤ أن يمارسه أحد.
وإنه لشيء محزن أن تهل علينا عالمة أزهرية على شاشة التليفزيون لتعلن جواز سبي النساء في الحروب للإذلال!

وعن سلطة النص وإدعاء أنه لا اجتهاد مع وجود نص يقول فودة: إن الخليفة عمر بن الخطاب قد أوقف حد السرقة في عهده وهو قطع اليد بالرغم من وجود نص صريح، كما منع سهم المؤلفة قلوبهم والذي نص عليه القرآن الكريم في توزيع الصدقات. فهل أخطأ عمر، وهل رجال الدين اليوم أكثر غيرة على الإسلام من ابن الخطاب!


وكان فودة من أشد المهاجمين للجماعات التي تسعى إلى السلطة متخذة من الشعارات الإسلامية مخدرا للشعوب. ويهدم مشروع الدعوة إلى دولة الخلافة الإسلامية إذ يقول: إن الفترة التي يمكن أن تنسب إلى الحكم الإسلامي والتي أقيمت فيها مبادئ الدين هي ١٤ سنة من أصل ١٤٠٠ سنة. تشمل قرابة الإحدى عشرة سنة فترة حكم عمر بن الخطاب وسنتين ونصف فترة حكم عمر بن عبد العزيز وتسعة أشهر فترة حكم المهتدي العباسي. غير ذلك كان تاريخا من الصراعات بين المسلمين والذي بدأ مبكرا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان وهو من هو. الأحب والأقرب ودا ونسبا إلى رسول الله (ص) فزوجه اثنتين من بناته (رقية وبعد وفاتها أم كلثوم) ولم تشفع له إسهاماته في خدمة الإسلام فخرج عليه بعض من كبار الصحابة وقتل. فالاستدلال بالتاريخ الإسلامي يضعف من حجة رافعي شعارات دولة الخلافة، إذ أن نسب هذه الصراعات إلى الإسلام لا ينصفه.
وقد أصدر عمر عبد الرحمن المنتمي للأزهر وشيخ الجماعة الإسلامية -آنذاك- فتوى بتكفير فودة وإهدار دمه، وقد قام باغتياله شابين على إثر هذه الفتوى سنة ١٩٩٢ وقبض على أحدهم. ولما سُئل عن سبب ارتكابه الجريمة أجاب: لأنه كافر. فعاوده المحقق: ماذا قرأت له لتصدر حكمك؟ فأقر مجيبا أنه لا يعرف القراءة والكتابة!

وأعرض سيرة باحث آخر من رجال الدعوة إلى التجديد في الفكر الإسلامي وهو الدكتور نصر حامد أبو زيد، الذي كان من معاصري فودة، إذ ولد في ١٠ يوليو ١٩٤٣ وحصل على ليسانس الآداب في اللغة العربية بتقدير امتياز سنة ١٩٧٢ كما حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية بدرجة امتياز سنة ١٩٧٦ ودرجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية مع مرتبة الشرف سنة١٩٧٩. ولا يسعني في هذا المجال ذكر المنح والجوائز والتكريم الذي حصل عليه في الخارج، كما أن له عدة مؤلفات من بينها كتاب \”مفهوم النص\” الذي أصدره سنة ١٩٩٠ وأثار به جدلا واسعا في الأوساط الدينية حول ما عرض فيه من أفكار جريئة عن النص القرآني.
تقدم أبو زيد للحصول على درجة الأستاذية في منتصف التسعينيات، وبالرغم من حصوله عليها إلا أن أفكاره أثارت أساتذته ومنهم الدكتور عبد الصبور شاهين.

وتصاعدت حدة الخلاف إلى أن وصلت للقضاء، وعندما رفض أبو زيد آداء الشهادتين أمام هيئة المحكمة حتى لا تكون سابقة بالتصريح لمحاكم التفتيش عن النوايا، حكمت المحكمة بتكفيره والتفريق بينه وبين زوجته وسافر أبو زيد بعدها إلى هولندا سنة ١٩٩٥ ليقضي بها ١٥ عاما عاد بعدها إلى مصر بسبب مرضه وتوفي في ٥ يوليو ٢٠١٠.

وقد تراجع الدكتور عبد الصبور شاهين عن تكفير أبو زيد وقال إنه لا يملك ذلك.

ويذكر عن أبي زيد أنه عندما دخل أولى محاضراته في هولندا بدأها بالبسملة وألقى الشهادتين وقال لطلابه: إن كُنتُم تظنون أنى هنا لأَنِّي ضد الإسلام فأنتم مخطئون.
وكذلك تعرض الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إلى هجوم من شيوخ الأزهر عندما صرح بأن مهمة رجال الأزهر هي عرض الآراء الفقهية والمتلقي هو السيد.
ومع ذلك فأنا اعتبر الهلالي متحفظا في رأيه إذ أن مهمة رجال الأزهر لا تقتصر على النقل بل لابد من الاجتهاد لتحقيق المعاصرة.
في المقابل فإن الدعاة غير المنتمين للأزهر منتشرون في كل مكان، أبرزهم الشيخ عمر عبد الكافي المتخصص في العلوم الزراعية ولا يعترض عليه أحد، ما يؤكد أن قضية حق الاجتهاد ليست اعتراضا على فكرة التخصص من عدمه، وإنما القضية هي الحجر على كل رأي مخالف مهما بلغت درجة تحفظه، والترحيب بالتقليد والموروث.
وأتساءل: إن لم يكن للباحثين المتخصصين أمثال الهلالي وأبو زيد حق الاجتهاد، فلمن عساه أن يكون؟
ولننعم بشيء من الإنصاف: من الذي ينتصر للإسلام ويعلي من شأنه؟
العالمة الأزهرية المتخصصة التي تجيز سبي النساء في الحروب للإذلال، أم المفكر الإسلامي الذي يقر أن الرّق أصبح منكرا لا يناسب تطور العصر؟!
على أية حال فإن مقتل فودة ومحنة أبو زيد، لن يزيدا أنصار الفكر إلا ثباتا وتمسكا بموقفهم.
فانصتوا يا أصحاب الجلابيب الداكنة والعمم البيضاء أو لا تنصتوا، فلن ينصت المجتمع لهذا الجمود طويلا، فقد أصبح العالم في واد ونحن في واد آخر يكاد يفارق الأرض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top