\”فوضى\” الثانوية العامة ومأساة الغش التى خلفت العديد من الضحايا، وبعض \”المحظوظين\” من الذين لم تسنح لهم الفرصة بالمذاكرة، واعتبر \”الغش\” أو إعادة الامتحانات فرصة ذهبية له، ذكرتني بتقرير نشره موقع الـ \”بي بي سي\” عن الغش و\”الفهلوة\”، ولكنه لم يكن يخص طلاب الثانوية العامة أو التعليم الجامعى أو حتى الغش الذى نشهده بداية من الباعة الجائلين وحتى أعلى المناصب؟ ولكنه يكشف فضيحة غش أجدادك العظماء \”الفراعنه\”، والذى نشرته الـ \”بي بي سي\” تحت عنوان: الكشف عن \”فضيحة\” لمومياوات الحيوانات في مصر القديمة.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل نحن غشاشون بالوراثة؟
التقرير الذي نُشر في عام 2015 هو عبارة عن مشروع عملاق، قام به علماء المصريات فى متحف جامعة مانشستر البريطانية، وهو عبارة عن مسح باستخدام الأشعة السينية والمقطعية على أكثر من 800 قطعة فرعونية من الحيوانات المختلفة، ولكن المفاجاة -أو بمعنى أصح الفضيحة- أن العلماء اكتشفوا أن ثلث هذه القطع خاوية من الداخل، تحتوي على طين وريش، أو فروة هذه الحيوانات بدلًا من الحيوانات المحنطه نفسها، وذلك كان منذ آلاف السنين!
وذكر العلماء أن المصريين قاموا بتحنيط أكثر من 70 مليون حيوان فى الفترة بين عام 800 قبل الميلاد والعصر الرومانى، إلا أن الشكوك زادت حول تحنيط هذه الحيوانات فعلا بعد العثور على هذه القطع الخاوية، بل وأضاف العلماء أن ما حدث -على حد ذكرهم- لا يعتبر \”تدليس\” أو\”غش\”، ولكن عدم إمكانية الحصول على هذه الكمية من الحيوانات التى تكفى لتحنيطها، لذا لجأوا لهذه الحيلة.
وعلى الرغم من أن هذا يوضع تحت بند \”الغش\” أو \”التدليس\”، والذى اعتبره العلماء من جانبهم مجرد \”فهلوة\” وحنكة من المصريين، وخاصة أن هذا الأسلوب في التعامل مع الأشياء يشتهر به المصريون بين الأمم كافة، إلا أن هذا يطرح السؤال: هل الظلم أو الخوف، هو ما يجعلنا نحن المصريين نلجأ إلى هذه الطرق الملتوية؟
وبعيدا عن أن \”الغش\” قد يكون طبيعة إنسانية، يمكن أن تظهر وتتفشى فى أى مجتمع، إلا أن هذه الظاهرة زادت وبكثرة فى مجتمعنا المصرى، والتى أظن أنها حيلة نلجأ لها عند الشعور \”بالظلم\” أو\”الخوف!
فإذا أخذنا القدماء المصريين على سبيل المثال، فالحيوانات كانت لها أهمية قصوى فى العبادة والدفن مع الموتى، وربما خوف العمال من الحكام، جعلهم يلجأون إلى هذه الحيلة التى لم يتم كشفها إلا بعد آلاف السنين.
قِس على ذلك الغش الجماعي في المدارس، أو صفحة \”شاومينج\” أو أى وسيلة أخرى \”للغش\”، فربما عدم وجود تكافؤ، بل والتمييز بين جامعة وغيرها، جعل البعض يلجأ إلى هذه الحيلة، خاصة أن مستقبل الطالب المصري كله يتوقف على آخر سنتين فقط فى التعليم.
وأنا هنا لا أحاول أن أجد مبررا لما يحدث، ولكن كان لابد أن تحدث هذه الـ\”هزة العنيفة\” لتحطم هذا النظام التعليمى الرخو، والبحث عن الأفضل.
وبجانب الخوف الذى بات يهددنا فى حياتنا كلها، إلا أن \”إيجاد الحلول السريعة، والحصول على أقصر الطرق والفهلوة\”، هى سمة المصرى، وعلى ما يبدو أنها فى الـ\”DNA\”، فبدلا من العمل على حل مشكلة الغش، والتى نندد بها منذ سنوات، فضلنا أن ندفن رأسنا فى الرمل، حتى أتت هذه الرياح العاتية لتمنحنا فرصة للاستفاقة من الغيبوبة.
وبالرغم من ظهور صفحة \”شاومينج\”، وتهديد القائمين عليها بتسريب جميع الامتحانات، إلا أننا تمادينا فى عنادنا وقررنا \”بالفهلوة والطلسأة\” أن ننظر للمشكلة على أنها تافهة، ونعالجها بأسلوب بعيد كل البعد عن التفكير السليم، فقررنا فى بادئ الأمر إعادة امتحان \”الدين\”، على الرغم من أن حالات الغش كانت في مادة \”اللغة العربية\”، تماما مثل القدماء المصريين، فبدلًا من حل مشكلة نقص الحيوانات والعمل على زيادة \”تكاثرها\”، قرر المصرى القديم اللجوء إلى أسرع حل، وهو تحنيط ريش أو فرو الحيوان، بدلا من الحيوان نفسه!
في النهاية يجب علينا أن نستفيد من أخطاء أجدادنا، فالحيل والفهلوة قد تنجح في حل المشاكل أو تخطي العقبات لفترة، إلا أن اكتشافها في نهاية المطاف أمر حتمي، وبمعنى آخر البحث عن حلول هشة وسريعة، لن توصلك إلا لأرض رخوة، يمكن أن تبتلع الواقف فوقها فى أى لحظة، وبالرغم من دهاء المصريين القدماء، إلا أن استخدام \”الفهلوة\” و\”الغش\”، ظهر على السطح، حتى لو كان ذلك بعد مرور آلاف السنين.
لذا علينا أن نتوقف عن هذه العادة، ونعى أننا فقدنا حتى قدرتنا على \”الفهلوة\” و\”الغش\” على مر العصور.