علا جاب الله تكتب: الشيزوفرينيا الرمضانية.. أسلوب حياة

لم أكن أنتوى بدء الحديث أو التطرق إلى \”موضة\” النصح الرمضاني التى تصيب الكثيرين وتنهمر كلمات نصحهم على رؤوسنا كالأمطار، فهؤلاء الذين يرتدون في رمضان عباءة \”مولانا\”، عادة ما يطالبون الجميع بالابتعاد عن الغزو التلفزيوني من مسلسلات وبرامج وحوارات، ويزعمون في نهي الناس عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويدعون للإيمان والخشوع.

ولكن لم أستطع، خاصة بعد أن استلت وسائل التواصل الاجتماعى سكاكينها في وجه أحد المشاهير، الذى دعا بترك \”مسلسلات رمضان\” وطالب الجماهير بالتوجه للصلاة، فما كان من هذه الجماهير إلا أن انهالت عليه بردود لاذعة، ولم ينس البعض أن يذكره بقول الله تعالى: \”أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم \”، بل ووصفه بعضهم أنه مصاب بحالة من \”الشيزوفرنيا الرمضانية\” التى باتت تصيب مجتمعنا في كل عام.

وذكرتنى هذه الحالة التى نعيشها بمقولة \”هنا.. ظهرت التفرقة بين العمل والإيمان.. مثل الجواز حاجة والحب حاجة تانية\”، وهي إحدى مقولات الشيخ حاتم الشناوى بطل رواية \”مولانا\” لإبراهيم عيسى، فهو الذى يدعو إلى الفضيلة، ولا يعمل بها، بل يستبيح استخدامها، وكله فى إطار الدين والعمل على نشر الفضيلة والخلق.

ولكن أحب أن اطمئنكم أن عادتنا فى النصح لم تقتصر على رمضان فقط، فهى بمثابة \”تخليص ضمائرنا\” والثواب عند الله، وأظن أن هذا النمط لا يستدعى منا النقد ولا ينم عن \”شيزوفرنيا\” أو حتى \”نفاق\” أو \”هرتلة\” كما يدعى البعض.. إنما هى حالة تفشت فى العالم أجمع، وروادها ممن يملكون \”الميكرفون\”، أو بمعنى أصح \”يرى\” تأثيره على الناس، مما لا يمنع من حرية إعطاء سيل من النصائح والتصريحات لا مثيل لها.. وليس من الضرورى أبدا أن يكون هو فاعلها أو يعمل بها.. فيكفى أن يجمع الناس على عمل الخير.

لمّ العجب فى عالم \”سلوه\” أن ينشر الخير والإيخاء على كومة من الشر والقتل والدمار؟! فعلى سبيل المثال لا الحصر، كوريا الشمالية التي تعد من أكثر الدولة القمعية في العالم بتأكيدات موثقة وموثوقة من منظمات حقوق الإنسان الدولية، وعلى الرغم من ذلك فهى (جمهورية كوريا الشمالية الديمقراطية)!

من الأمور الساخرة التي تسير في ذات السياق، انتقاد دونالد ترامب الرئيس المحتمل للولايات المتحدة للعمالة المكسيكية وكثرة تواجدها في أمريكا، وحثه على الإكثار من استخدام الأيدي العاملة الأمريكية، ورغم ذلك فهو يعتمد في حملته الانتخابية على مصنع مكسيكي بالكامل لتصنيع القبعات والقمصان، وكان الشعار الأساسي: \”دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.\”!

أما الذي يعاني من تأخر في حالة \”الشيزوفرنيا\” بشكل عام، فهو الكيان الإسرائيلي، فإسرائيل التي لا تنفك من دعوة العالم إلى إحلال السلام والتنعم في الأمان، بينما هي تقصف رقاب الفلسطينيين ليل نهار، وتدك بيوتهم فوق رؤوسهم دون هوادة.

إذا.. فما المانع أن ندعو غيرنا إلى \”البر والتقوى\”، ولو نسينا أو تناسينا أنفسنا؟ فالعالم أجمع يعيش على هذا النهج، ويتناول الموضوع بمنطق بعيد كل البعد عن التجارب الشخصية أو الحياتية، وخاصة إذا كنت تملك \”الميكرفون\”، ويعلو صوتك فوق الجميع، فدعك من تسليط الضوء على حياتك أو افعالك أنت، واعمل على نشر الخير، وتذكر مقولة: \”ربك رب قلوب\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top