علا جاب الله تكتب: أصلها إتكت لي على الـ"س"!

من منا لا يتذكر جملة \”إزيك يا ابتسام\” وإتكت لك على الـ\”س\” من فيلم \”عسل أسود\”؟ فعلى الرغم من فكاههة المشهد، إلا أنه للأسف يلخص حياة الكثيرين، \”فالكلام المتدارى\”، أو\”الكلام اللى من تحت لتحت\”، أو\”الكلام المبطن\” -سمِّه كيفما شئت- كلها وسائل للتعبير عن الرأى، ولكن بطريقة غير سوية، وعادة ما تهدف للطالح وليس الصالح.
ويبدو أن هذا الأسلوب قديم قدم القدماء المصريين، ولم يستطع الزمن أن يعفينا من إتباعه سواء فى العمل أو فى البيت أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعى، فمعظمنا إن لم يكن جميعنا قد تعرض لمثل هذا الموقف، حيث تجد نفسك فيه فاغر الفم، تفكر: هل هو يقصد ذلك أم ذاك.
وعلى الرغم من أن \”الصراحة راحة\”، إلا أننا شعب نعشق الطرق الملتوية، ونحب اللفات ونهوى الألغاز! فـ\”طنط\” صاحبة الوجه الملائكى التى تعشق \”تلقيح الكلام\” تتواجد فى كل بيت، وكأنه تم استنساخها مثل النعجة دوللي، فهى الشخصية التى تعاير فتاة غير متزوجه بزواجها، أو المطلقة بأن \”الطلاق عيب فى عيلتنا\”، أو العاقر بأن العيال حِمل، وهذه الشخصية لم تتوان عما تفعله ولم تهدأ بمرور السنين.
ويبدو أن أتباع هذا الأسلوب لم ولن يهدأوا، بل هي أجيال تسلم أخرى، وقد تمادت وتفشت هذه الظاهرة بين الشعب المصرى، حتى بدأت تأخذ صورا أخرى كالكومكس أو حتى \”تصوير\” خيبة أملنا وغيرها!
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: \”ليه\” ما الفائدة من هذا الأسلوب الوقح؟ هل هى كلمة \”محشورة في زورك\” كما يقال، أم \”أسلوب حياة\”، أم \”خيبة أمل وعدم قدرة على المصارحة والمواجهة\”.
في اعتقادى أن هذا الأسلوب لا ينم إلا عن شخص ضعيف فقد القدرة على التفكير بل والإحساس بالغير، وفضل أن يعيش فى قوقعة يقذف الناس من داخلها بكلمات \”متواريه\” خوفًا من الخروج من قوقعته ومواجهة الغير.
المحزن والمخيف أن هذا الاسلوب تطور وتملّك منا وأصبح ينوب عن شخصياتنا الحقيقية، فنحن نتفكَّه دون مواربة على أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية بكل سخف: قناة السويس، ارتفاع سعر الدولار، وغلاء المعيشة.. كلها أمور لم تسلم من تحويلها إلى مجرد كومكس، ونحن على علم أننا فى أيام لا يعلم إلا الله مدى صعوبتها وقسوتها، \”نلقح بالكلام\” فى السياسة ونحن على علم أننا من اخترنا، دون الدخول فى تفاصيل، نلقى النكات المتوارية على جيلنا ونحن نعلم أننا جيل جاهل فى شتى الأمور، فإلى متى سنظل نتغذى على الكومكس ونتحدث بشكل \”متداري\” ونعيش داخل جلباب باسم يوسف، دون مواجهة أنفسنا بالحقيقة؟ وإلى متى سنظل \”نتكلم من تحت لتحت\” وكأننا فقدنا ألسننا التي يمكنها التحدث بصراحة.
يا عزيزى نحن لسنا فى عصر المتنبى، فالعالم يزدهر والعلم يتقدم في اليوم ألف مرة ومرة، ونحن مازلنا نشغل أنفسنا \”ببضع كلمات متدارية\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top