علا الشيخ تكتب: حلوة يا بلدي

لست من النوع الذي يجيد اللطميات على حال الفلسطيني أينما حل وارتحل، والتباهي بفلسطينيتي ليس موجودا في طبيعة حياتي، فقد استطعت بعد جهد جهيد أن انساق إلى الإنسانية على حساب القطرية والطائفية والإثنية، فجوع طفل في أي مكان على هذه الأرض يعنيني، لكن ما حدث فعلا خلال وجودي في السيارة.. مرور أغنية \”حلوة يا بلدي\” عبر أثير إذاعة محلية، لأول مرة ادقق في كلماتها، وأراجعها، وجدت فجأة أن هذه الأغنية قد تصيب قلب أي مستمع في العالم، حتى لو تم ترجمتها إلى لغات عدة، فالجميع لديه وطن يتغنى به مهما بعد عنه، لأنه ثمة رائحة عالقة في مكان ما في ذاكرته، إلا الفلسطيني الذي خرج قهرا من وطنه، فأول حب في بلدي عبارة لا تصلح للفلسطيني اللاجئ، ولن يضطر إلى نسيانه أو تذكره.. أيام زمان قبل الوداع، لا يمكن أن تتناسب معه، فهو استطاع أن يلف العالم ويودع الكثيرين.. الفراق ليس مستحيلا أيضا، فقد حدث وكثر، بالنسبة لقلبي مليان بحكايات، من الممكن أن تكون صحيحة لكن ليس في بلدي، بل في كل مكان عاش فيه الفلسطيني، الشجرة والبحر في الأغنية موجودان فقط على شكل خيال بناءا على قصص الآباء والأجداد.. أن تكون منتميا لوطن مرسوم من خيال ليس بالشيء السهل.

أن تعرف الارباك عند سؤال غريب لك عن جنسيتك، لن يكون سهلا، فأنت تحمل الجنسية المصرية أو الأردنية أو الأمريكية، لكن إجابتك دائما لن تكون مباشرة إذا كنت فلسطيني، \”هذا النوع من الارباك يتم توريثه على فكرة من جيل إلى جيل\”

إذا كنت فلسطينيا خارج الوطن، ستضطر كثيرا لعدم تصديق حكايات كثيرة حول ذلك الوطن.. لن تستوعب أن تعود له يوما وأن تكون تحت حكم حماس، أو فساد السلطة.. خياران لا ثالث لهما.. لن تستوعب أن غزة وهي القائمة على البحر فيها كل هذا التطرف، فالجميع يعرف أن البحر حياة.

لن تستوعب أن مدينة مثل رام الله تخرج مسيرة شموع لنصرة مخيم اليرموك في سوريا، وكأنها باتت مدينة سويسرية! لن تستوعب الفجوة التي حدثت بعد أوسلو بين فلسطيني الداخل والخارج، والأدق أنك لن تريد أن تستوعب.

صدقوني ليس سهلا أن تكون فلسطينيا بلا وطن.. تحمل جنسيات كثيرة في جيبك إلا جنسيتك، ليس سهلا أبدا، ليس سهلا أن تشاهد \”أبو مازن\” وهو يوزع جوازات السفر الفلسطينية على فنانين وإعلاميين عرب، حتى لو كانت شكلية، وكانه يوزع صكوك غفران، وهو الذي يماطل في موضوع حق العودة.. طيب راضيين بالجواز الشكلي.

فلسطين بالنسبة لكثير من الفلسطينيين اللاجئين عبارة عن قرار له علاقة بالعودة، وعليه بعد ذلك، أي بعد أن تربطه رائحة بالمكان، أن يحسم أمره بأن يظل أو يغادر كأي شخص لديه خيارات في العيش.

ليس سهلا أن يتحول مخيم اليرموك في سوريا الذي يدكه نظام الأسد من جهة، وداعش من جهة، إلى معرض صور يفتتحه مسئول في رام الله! ليس سهلا أن نظل عبارة عن صور .

ولإنصاف أغنية حلوة يا بلدي.. نعم الجملة الدقيقة فيها للفلسطيني اللاجئ: \”أملي دايما كان يا بلدي إني أرجعلك يا بلدي\”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top