لا اتذكر – تحديدا – الوقت الذي كنت أمازح فيه الصديق والأستاذ عصام زكريا واقول: \”طوال الوقت أجد نفسي في أفلام الكارتون والرسوم المتحركة.. تبهرني الألوان واتمنى منزلا يحاكي منزل بطوط.. تلك الشخصية الشهيرة\”.
يومها رد علي عصام مؤكدا بجدية: \”كدا هيبقي عندك مشكلة في حياتك.. الحياة مش بالبراءة أو البهجة دي، والشر مش واضح أوي كدا وكمان الخير\”.
مرت سنوات على ذلك الحوار، والذي دائما ما استدعيه في كل موقف صعب امر به أو يقع من حولي، لذلك وقفت – مؤخرا- أمام نفسي وسألتها: هل أفسدت السينما حياتى؟! هل حبي للأفلام قد أخذ مني؟! وذلك ليس مبالغة.. كثيرا ما يكون الواقع أقسى مما تقدمه السينما، بل يحمل مصادفات ومفارقات تفوق بكثير ما نشاهده على الشاشة، لكن من ناحية أخرى السينما دائما ما كانت تبيع لي ولغيري الحلم.. الصدق.. الإخلاص، ودائما ما كنت أفضل النهايات السعيدة حتى لو كانت غير منطقية، وأصدق بإخلاص منقطع النظير أن الحب يجب أن يأتي مثل الفلاش.. سريعا وخاطفا.. ينتصر رغم كل المعوقات والصراعات، حتى لو كانت النهاية بموت روميو وجوليت، يكفيني أنهما اختارا الموت سويا.
وأيضا عشقت الصراع المكتوم بين آمنة والمهندس في \”دعاء الكروان\”، وتمنيت أن تهنأ آمنة وتأمن في حضنه، ورضيت بأن يموت بين يديها، وتعاطفت مع عتريس عندما بدأت النار تأكله، وهو ينادي على حبيبة عمره فؤادة التي خذلها، وخذل روحه في فيلم \”شئ من الخوف\”، ورقصت طربا عندما عاد يحيى أبو دبورة لفريدة في \”أرض الخوف\”، ويحيي جسده آسر ياسين في \”رسائل الحب\” إلى نورا.
في داخل جزء مني، كان ينتظر السعادة والبهجة.. أحيانا كانت السينما تبيع لي هذا الوهم وأصدقه وأعيش، بل اتماهى معه، وأحيانا أخرى كانت النهايات غير السعيدة تحفر حزنا في داخلي لا أفهمه، لكن ظلت العوالم الساحرة والتي تخلقها السينما – أيا كانت أوروبية أو أمريكية أو مصرية- تبيع لي عالمي الذي أنشده، ويبدو أن هذا ما سبب لي حالات متكررة من الإحباط بين عالم الحلم على الشاشة والواقع الذي اعيشه في كل لحظة، وكلما ازداد الواقع ابتذالا في مشهد يعد هو الأقبح، اعود وألوم السينما وأسخر من سذاجتي تلك، والتي لم أفكر يوما في مقاومتها، بل نميتها وكبرتها بداخلي، خصوصا كلما شاهدت فيلما جميلا أو فيلما يؤكد لي أن القادم أفضل، وأن الأحلام قابلة للتحقق.
كثيرة هي الأحلام التي تعاملت معها بمنطق شريط السينما وأن هناك مفارقة درامية ستقع قبل النهاية بلحظات وتجعلني سعيدة ومشبعة، وفي كل مرة كنت أبكي عندما يتكسر الحلم على أرض الواقع، ويتحطم معه جزء من روحي، ولم أتعلم يوما أن أفصل بين ما أشاهده على الشاشة والطريقة التي أتعاطي بها مع كل تفاصيل حياتي.
لم أنضج أبدا رغم الكثير من التجارب القاسية، وحتى هذه اللحظة لالت أتعاطى مع الحياة على أنها شاشة عرض كبيرة ونحن أبطال فيها، وحتما سيأتي البطل المنقذ، وحتما سيمر من هنا فارس آخر، وبالتأكيد سينتصر الشر في لحظة، لكن الخير سيجمع قواه من جديد، وقد أرحل أو أجد نفسي في منزل بطوط – ذلك الذي طالما حلمت به.
ولن أخجل من نفسي ومن البوح بطفولتي وسذاجتي بعيدا عن صراخ الكائنات التي باتت تحاصرنا وتطل من الفضائيات، أو نصادفها في الشارع وتفسد حياتي حقاً.
نعم سأغلق على نفسي وأشاهد فيلما من زمن الأبيض والأسود، وأقف أمام المرآة وأصرخ في نفسي: \”فاشلة ساذجة فوقي.. الحياة مش فيلم، وبعد قليل سأهدأ وأعاود من جديد\”