عزة كامل تكتب: صراخ في أقبية مجهولة

شحذ الغدر سيف معاوية، فنبتت أنياب الكذب وتمددت، هي الكلمات خناجر مصوبة وطبول تقرع، ماذا فعل التاريخ بنا؟ كيف قدم لنا السلطة والشهرة والعدل والظلم والفقر والغنى والفتوحات باسم الله والدين، شرور السياسة وزلاتها المدمرة، هل نحتها بأزاميل ثقيلة أم قدمها بنوع من الثرثرة والفضول واللغو؟ هل أجبرنا على التعايش مع الكوابيس الثقيلة المعتمة؟

من بعيد تجئ الذكرى مؤرقة، ودامية، تنثرها الريح وتشرد، تذهب بعيدا في الخباء، في صحراء الموت تتطاير روائحها، يكف الحلم أن يتبع صاحبه كظله، ويتبعثر في حضن الخوف، وتتحول الذكرى لضحكة منسية وعري جائع يسير نحو السراب، سفر  على عجل وروائح ليلية وشهوة غجرية مرتجلة، تدون سخريتك على أوراق صفصافة هجرها الضوء والماء، كهارب من المجهول إلى المجهول، يبحث عن كنز الدود المدفون في بئر نضب ماؤها، وحوله العشب اليابس يلفظ الحب ويسامر اللامرئي.

أنتحي ركنا قصيا تظلله شجرة شاردة، أرنو إلى غيمة عابرة، فأبصر \”قدري\”، ومن عروق الصخر ينزف اللبن الأسود، أطيل التأمل في هواجسي المعلقة على مشجب العزلة، أحنو على ضميري لكي يؤتمن على أسرار ليلي، أشدو في حيز أصم، منتبه إلى غبش النسيان، الوساوس تختبئ بين شقوق الأحجار وبقايا العشب الميت.

أترنح كدلو صدئ يصلصل في قاع بئر مهجور، وكمثل قصيدة تائهة  بخطوات مهرولة، أحاول لمس سحابة خريف شاردة، أرتجل الصوت والصورة، لاهثة وراء سراب شمعة لعلها تضئ قلبي وتذيب عتمتي.

أترك روحى على نافذة الحنين وأمضى، أعزف نشيدا شجيا وأهيم بتعبي.

اصبري – اصبري.. الصبر مفتاح الفرج، أدرك عمق الهوة التي أسقط فيها، أليس ثمة خلاص من هذا القدر؟ أليس ثمة مهرب من ليل الخواء والعدم، أليست ثمة كوة ضوء في هذا الظلام الكثيف؟

فراغات شكّلتها الفوضى، وجدران ينشع منها الحزن، ومحارات تحتضن الموت لتلفظه على شواطئ بلاد اللؤلؤ، وسلال الريح تزفر وحشتها في حنايا وسائد الليل.

لماذا نرث الحزن ونؤاخي الشجن؟ لماذا تغشي الظلمة ذاكرتنا الجماعية وترحل؟

وخلف كل شهيق، جسد يهوى وأغنية تموت!

بين الخطوة والخطوة، أتعثر في ضجيج المقاهي والأزقة، يلفحني همس طافح من العمارات القديمة.

سد مراوغ وطواف في بحر لا يشبه البحر، وأشباح نهارية لا تتدبر أمرها من الدم الهارب في دهاليز الروح وأصداء الفناء.

نلملم حطامنا وعرينا وتاريخنا الشفاهي المتهتك، وسرب الحلم المنفرط، ورفرفة العلم النازف على مرايا الفخار, وأساطير كاذبة، تتكاثر التأويلات العطبة، وتحاصرنا وتبقى الواحدية العمياء خالدة.

في المرآة: ماض وحاضر ومستقبل يوغل في التلاشي، ولا تبقى إلا الذكرى المجرفة والمعذبة.. إنها مرآة الكوابيس وتكاثر الرؤى والانشطار.

أصحاب العيون المتلصصة والبشرة الكالحة، يرمون بشباك العناكب بحثا عن العصافير المجنحة، وعلى زجاج النوافذ ستائر مسدلة على وجه تخترقه السكين. المصابيح انطفأت والصور على الجدران لفها الصمت.

قمر ونافذة مفتوحة

وقلب في الخارج

ومهر أسود

والريح تجري

فوق النهر الذي يشق متاهة التنهدات الطويلة

تتكسر بلورات الليل البارد

آه.. لكم هو موجع ضجيج القلب التائه

وأصداء الصوت المحترق من الحنين والألم.

مغمضة العينين أصرخ.. انتهى العرس

للموتى صوت ودم، وللأحياء أجنحة تبحث عن الحلم تحت وجيب القلب، وفي ضوء القمر الأزرق ترفرف الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top