العلمانية تحديدا في الشرق الأوسط، تشير إلى اتجاه إيدولوجي مقابل للتيار الثيوقراطي، ويستخدم لوصف فصل الدين عن الدولة وإلغاء سلطات رجال الدين، وغالبا ما اكتسبت الكلمة دلالات سلبية على إنها مناهضة للدين، وأتُهمت من بعض التيارات المتطرفة أنها مع التدخل الاستعماري.
وذُكرت تعريفات متعددة للعلمانية أشهرها للفرنسي (چان بويبرو) الذي شبه العلمانية بمثلث، الضلع الأول فيه عدم تسلط الدين أو المعتقد على الدولة ومؤسسات المجتمع والأمة والفرد، والضلعان الآخران حرية الضمير والمعتقد، والمساواة في الحقوق بين أصحاب الأديان وتطبيقها واقعيا ومجتمعيا.
في مصر وتحديدا في المرحلة التي نحياها بعد سقوط حكم الإخوان والادعاء بأن الدولة ستكون علمانية بلا سيادة لرجال الدين والمتطرفين فكريا، تجد المناقشات اليومية السيريالية العبثية تحاصرك على أتفه الأسباب.. مثلا (وزيرة شئون الهجرة حلفت اليمين أمام الرئيس بفستان نص كم!)، فقامت الدُنيا ولم تقعد، باعتباره شيء غير لائق، ولا أفهم ما هو غير اللائق تحديداً؟ كونها امرأة تقف أمام الرئيس؟ أم أنها ارتدت فستانا جميلا يعكس ذوق راق بسيط؟ أم أن الفستان بكُم قصير؟
للأسف نحن كشعوب عربية شرقية نواجه أزمات عميقة في علاقتنا بأجسادنا وفي نظرتنا لجسد المرأة تحديدا وفي تمسكنا بالتدين الشكلي الظاهري على حساب الجوهر والأولويات الإنسانية، وصرنا نكره الجمال ونخافه ونلوذ بالقبح حتى نتماهى مع القبح السائد في واقعنا.
ذكرني الحديث الدائر عن فستان الوزيرة، بحديث مشابه، وإن كان أكثر قسوة وتشوها، عن صورة السيدة السورية التي تحاول ألا تستسلم للموت غرقا، وجهها وشعرها مبللين، تبكي وترتجف وتحتضن طفلها رافعة رأسه عن الماء، كأنه القشة التي تربطها بالحياة.. تلك الصورة التي يمكن أن تعبر عن أعتى كوابيسنا وعن فساد الأنظمة العربية وزيف كل المؤتمرات والشجب والإدانة ومؤسسات حقوق الإنسان والتمويلات الضخمة التي تنصب في مشروعات لإنقاذ اللاجئين.. كل هذا يتضاءل أمام هذا المشهد، وبدلا من هذا كله.. يدور الحوار حول آخر شيء يمكن أن يتوقعه عقل بشري.. عن عدم أرتداء هذه السيدة لحجابها.. وهي تغرق في البحر! كيف تغرقي يا سيدتي وتقفي أمام خالقك بشعرك عاريا؟!
بل إن بعض المحترمين تطوعوا بالشخبطة على الصورة لإخفاء شعرها ورسم حجاب ابيض يحيط بوجهها المذعور!
استمعت إلى رد الوزيرة نبيلة مكرم الهادئ الراقي على أسئلة الإعلامي المستفزة عن مظهرها، حيث قالت إنها تعلم جيدا أن كونها في منصب عام، سيعرضها لمزيد من الانتقادات وأنها ترحب بها تماما، لكنها لن تعيرها أي أهتمام، وأكدت أن اهتمامها الأول والأخير، هو أداء عملها باجتهاد وإخلاص كما أعتادت، وقالت إنها ستبحث قضايا المهاجرين غير شرعيين وغيرهم، وسترتدي الجينز وتجلس على الأرض معهم في الجولات الميدانية، وستفعل كل ما يلزم لأداء مهامها، ولن تجلس في مكتبها الفخم المكيف وراء بذلة كئيبة وإبتسامة كئيبة بلاستيكية تليق بالبروتوكولات الرسمية.
شر البلية ما يضحك.. ماذا أريد أنا كمواطن من الوزير؟ تقييم دولاب ملابسه؟ أم دوره في تحسين حياتي والتأثير عليها إيجابا؟
هل الأولى أن نهتم بمهام الوزيرة التي تولت وزارة ستعني باحتواء أزمات أبنائنا الذين فضلوا الغرق في المجهول، على الحياة في وطن يضيق كل ثانية عن ما قبلها؟ أم نهتم بنصف ذراعها العاري؟
هل الأولى أن نتحدث عن كل القوانين التي تم تمريرها في الفترة السابقة دون مجلس شعب أم عن نص كم الوزيرة؟
وإن كان لابد أن تتحدث عن الوزارة الجديدة، فحدثني عن رئيس الوزراء شريف إسماعيل الذي كان وزيرا للبترول في الحكومة المُقالة، والذي لعبت شهادته في قضية محاكمة القرن دورا كبيرا في براءة الرئيس المخلوع ونجليه و الهارب حسين سالم في قضية تصدير الغاز.
وحدثني عن أن وزير العدل لا يزال المستشار الزند صاحب التصريح العنصري (القضاة أسياد وغيرهم عبيد) وصاحب أكبر حركة صرف بدلات مالية للقضاة منذ توليه.
أو أن أحمد زكي بدر وزير التعليم السابق، أصبح وزيرا للتنمية المحلية، وجاء وزيرا للتعليم د. الهلالي الشربيني الشربيني الهلالي، الذي لا يعرف الفرق بين حرفي الذال والزاي، وتمتلئ صفحته على فيسبوك بالكراهية والتحريض والشتائم.
كل هذا عزيزي المواطن الشريف، لم ينجح أن يحتل جزء من اهتماماتك الأولية، واهتممت بمناقشة أزمة نصف ذراع عار في دولة متغطية تمارس العلمانية بخلفية قرمزية.