عبد الرحيم كمال يكتب: كخ يا بابا

 

الطفولة مسئولية وعشان تربي ابنك أو بنتك في هذا العصر، على ما يجعلهم أسوياء.. ده معجزة، ورغم أن في حلول كتير على مستوى التعليمن مثلا بداية من أنك تستلف أو تسرق أو تشتغل شغل غالي أوي عشان تعلمهم تعليم دولي وتخلي عيالك بالفلوس الكتيرة أوي دي زي أي طفل في مدرسة حكومي في كندا أو المانيا، لكن التربية شغلانه تانية خالص، خاصة إن حضرتك القدوة والمثل، وأنت أصلا اتربيت نص أو ربع تربية حسنة.. طبعا الكل هيعترض ويقول إحنا شعب متربي بطبعه وشعب يحب التربية وده وهم كبير.. التربية الحقيقية اللي تخليك تطلع إنسان سوي مستقل ليك وجهة نظرك اللي بتدافع عنها بأدب، وليك القدرة على تحمل وجود وجهات نظر أخرى واحترامها والاختلاف معاها بشكل موضوعي، وده طبعا مرجعيته موجودة في كل بيوتنا وتتلخص في جملة: وهو فيه حد في الدنيا بيفهم زي ابوك؟ ويبدأ الأب في سرد قصة عظيمة لابنائه يوضح فيها كيف استطاع تلبيس زملائه في العمل لكل الاعمال التي أرادوا تلبيسه إياها، وتجد الأم في المطبخ تقشر البطاطس وتقور الكوسة أو حتى لو كانت من أصحاب \”الكنافاه\” و\”الكوريشيه\” أو من عبدة المسلسلات التركي، ستجدها تلقن ابنتها فنون تفادي الجارة والتعامل معها باقتضاب وتعالي، بحجة الحسد لدى الطبقة الدنيا والوسطي، وحجة أنها ثرثارة عالية الصوت – لدى الأم من طبقات أعلى- وتختمها بجملة طيبة حنونه خالدة:  \”دول يا بنتي غيرنا\”، ويكبر الطفل على المثل والقيم العليا، ويعرف أنه مطالب باحتقار ابن البواب والتعامل في أضيق الحدود مع أي حد من دين تاني، وعدم الرد على سؤال سأله حد لبسه وحش أو مختلف عنه وأن الرحمة والتعاطف تكون بس مع أمه وأخواته وأبوه، ولو من طبقة أعلى، يبقى أمه وأخواته وأبوه والكلب بتاعه، وتجد نفسك أنت وأولاك غريبا وسط غرباء، فيا إما تقابل طفل بيحتقر العالم من أول لحظة، وبيتعامل على أنه خواجة وسط متوحشين، يتحلى بالصمت والتعالي، أو تجد أولادك بين أطفال على النقيض.. عايزين يدخلوا جوه كل تفصيلة في حياتك.

ولاد وبنات أمهاتهم وأباهاتهم فلتوهم على العالم بحجة \”اطلعوا من دماغي وخشوا دماغ أي حد\”، ويا سلام لما العالمين دول من عديمي التربية يصطدموا ببعض.. الطفل المحمي المتعالي المحتقر للآخرين، والطفل المفلوت المقتحم اللي شايف إن العالم ملكه كبديل للأب والأم اللي طردوه من عالمهم، هتلاقي مهازل كوميدية بين طفل صامت محتقن الوجه قرب يجيله عبط، وطفل تاني انتهك خصوصيته كلها في لحظة، واقتحم شنطته وافكاره وصمته وغروره، فيهرب الأمهات والأباء الدوليين بأطفالهم إلى أندية دولية ومطاعم دولية وخادمات دوليات في محاولة لصيانة أطفال، ليس لديهم شيء يصونونه سوى لغة جيدة وانفصام عن العالم اللي عايشين فيه، وانطلق المنفلتين إلى  الأماكن العامة يتساءلون في ضجيج ودوشة، وعاش الأقل منهم تحت الكباري لانتزاع لقمتهم غصب عن دول أو عن دول، وصار اللي بيكدب يروح في داهية، بعد أن كان يروح النار زمان، وصارت القيم التقليدية إيفيهات مضحكة، أو قيم دولية بديلة يمارسها الطفل الأوفر حظا مع أقرانه، ويصمت ويرتبك حينما يصطدم بقيم أخرى،  وغابت المرجعيات البيتية البسيطة من أول الأب والأم في البيت، اللي اختصروا التربية في \”اسكت وكخ ومش عايز دوشة\”، ولحد التليفزيون اللي بيطلع فيه الإعلامي والقاضي والنجم واللواء والوزير يكذبوا ويقولو ألفاظ بذيئة ويناقضوا نفسهم، ولحد المدرس اللي بقى اسمه على الحيطان وأسوار الكباري ومداخل الأنفاق \”وحش الفيزياء\” و\”غول التاريخ\” و\”بطريق الكيمياء\” و\”كركدن الفلسفة\”، ويسيب تحت صفة الحيوان المميز رقم تليفونه البائس الحزين، في بلد صارت فيه التربية مسئولية، يشيلها اللي قاعد فاضي، والتعليم مرمطة وطاحونه.. يا تحدفك للعزلة.. يا تحدفك للبلطجة، وغرابة الأطوار.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top