عبد الرحمن العزب يكتب: أنت ترث دينك

يستيقظ مِن نومه فزعًا مُستعيذا بربه مِن الشيطان الرجيم، ذلك لأنه رأى في نومه أنه شيعيًا يسُب الصحابة ويخوض في ما لا يجب، ولأن الرجل كان يتبع مذهب أهل السنة فقد شعر بحسرة وضيق من رؤية كهذه وكأنه ليس بالحُلم العادي، ربما أن الله أراد أن يُرسل له رسالة قاسية كما قرأ في بعض تفاسير الأحلام، أو ربما هو تحذير، ولكن الرجل قبل أن يبحث عن شئ توقف لوهلة متسائلًا: لماذا أنزعج مِن أن أكون شيعيًا أو بوذيًا أو مسيحيًا؟ لماذا أنا مُسلِم سني؟ وكانت الإجابة ساطعة جدًا، ذلك لأن أبواه يتبعان الإسلام وهو ولد في بلد تتبع المذهب ذاته، هكذا الأمر إذًا نقع نحن المساكين ضحية موطننا وفكر قومنا فنتبعه وندافع عنه باستماتة شديدة وكأن الواحد منا يكبر فيسأل أهله أي دين أتبع لأخوض نزاعي مع أعدائي! ما كان أبدًا ليسأل نفسه مثل هذه الأسئلة إلا أن السؤال قفز إلى رأسه دون إذن، فلم يعد يستطيع التخلص منه إلا بإجابة تُريحه، ماذا إن وُلِدت في دولة شيعية لأبوين يتبعان المذهب الشيعي؟ أو ربما في دولة ليست مسلمة أصلًا، أي دين كان سيختار؟ أي مذهب كان سيعتنق؟

لم يكن الرجل مكابرًا ولم يُماطِل في جواب نفسه لأنه أجاب رأسه الحائرة بوضوح قائلًا: (كنت سأتبع دين آبائي) ولأنه يحفظ بعضًا مِن الذكر الحكيم قفزت الآية إلى رأسه هي الأخرى فتذكر قول الله تعالى (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)

إنزعج الرجل بشدة، شعر بأن شأنه شأن هؤلاء الذين استنكر حالهم القرآن، هؤلاء المتبعين دين آبائهم بصمت وكأن الدين إرث وكأنه عقار أو قطعة أرض يرثها ويورثها حتى حين، الرجل نفسه فعل الأمر ذاته، فعل ما فعله آباؤه وسيفعل بأبنائه الأمر ذاته أو أورثهم دينهم بالفعل دون سؤال واحد: لماذا هذا الدين عن غيره؟ لماذا هذا المذهب تحديدًا؟ لماذا نحن هنا؟ ما الجدوى من هذه الحياة المنتهية بعد حين؟!

هو لم يحاول أن يكون مسيحيًا لبعض الوقت، ربما تروق له المسيحية، ربما إن جرب اليهودية يجدها أكثر راحة من سابقتها، ربما على المسيحي أيضًا أن يرى ما لدى الأخرين، ربما عليهم جميعًا أن يروا ما في البوذية، بالطبع ليس هؤلاء أجمعهم غافلين وأنت وحدك اليقِظ بينهم، فالأمر ببساطة أنه حين قرر أبواك أن يأتوا بك إلى الدنيا لسبب ما إختاروا لك إسمًا عادة ما يناسب معتقدك الذي سيكتبوه لك في شهادة ميلادك وكأنه أمر مُسلّم به إجباريًا.

الله أعطاك الدنيا كاختبار -كما قول الأديان الإبراهيمية- وهم كتبوا لك ديانتك منذ أن كنت لا تعرف الفرق بين إصبعك وثدي أمك، هم أخذوا ورقة اختبارك الممنوحة من الله كما يقولون وبدأوا يجيبون عنك!

أنت ترث دينك وهو أمر بحق مزعج لأنك ستتلاقى مع هذا العالم وهؤلاء البشر لقاء مربكًا محيرًا جدًا، لكل منهم معتقده الذي يرى أنه الحق أو لنكون أكثر دقة، الذي أخبره قومه بأنه الحق كما أخبروك تمامًا في محاولة لإهانة هذا العقل، عليك فقط أن تفكر ماذا تفعل هنا؟ عليك ببعض من التمرد، وأطلق قيود رأسك وحررها من قيود الإرث.

فكر ربما تكون مخطئا ربما تردد من القول ما لا تفهم لكنك تردد وحسب، توقف يا هذا عن التعامل مع معتقدك على أنه إرث تمتلكه وتسلمه للآخرين من بعدك. أنت بهذه الطريقة تُهينه لا تُقدِسه فتدبر ولو قليلًا، إترك منطقة الراحة الفكرية هذه وتشكك، تشكك حتى اليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top