عبده البرماوي يكتب: عزيزي الخواجة رحمه الله: دعنا نتكلم كفنيين

بداية وقبل أي حديث، أرجو ألا تنقبض نفسك، فحديثنا اليوم عن الموت، وهو علينا حق، وكلنا لهذه النهاية، فلا تعتبر ما أسره لك تحذيرا يعيق وصولك لقدرك السياحي ويؤجل قدومك لمصرنا القريبة.

تعلم يا صديقي أننا في حالة حرب مفتوحة على الارهاب وعلى أشياء أخرى، ولا سر في هذا. هذه الحرب مثلها مثل الحياة مليئة باحتمالات الخسارة، عافانا الله وإياكم منها، وآخر الخسارة الموت.

لا أقصد من هذه العبارة الافتتاحية أن أخيفك. الأمر أبسط. ويمكنك أن تتعامل مع ما سأقوله عن \”الموت سياحة\” تعاملك مع هذه العبارة السخيفة التي تحتل نصف واجهة علبة سجائرك عن \”الوفاة تدخينا\”.

باختصار، ولكي نلج بالكلام في لحم الموضوع: المحتمل – وبكل الأسى والأسف – يا عزيزي هو قتلك من الطرفين؛ ولداعش في هذا مبرراتها، كونك أجنبيا، وطبعا كافر، وأكيد رعية لدولة تناصب داعش العداء. وبالمناسبة، دول العالم أعلنت جميعها محاربة داعش أو تدعم الحرب عليها، فلست مضطرا للبحث في موقف بلادك، وبالعموم من العيب أن نسأل داعش لماذا تقتل، فما معنى داعش إن لم تكن هذه هي صنعتها!

وكذلك للسلطة في مصر أخطاؤها، ومنها – بل وعلى رأسها – قتلك. وهذا \”خطأ طبيعي\” في ظل أن الدواعش أجانب في التصور الأمني المصري، وأنت تحمل صفة وملامح الأجنبي، ولا تقل لي أن كل من قتلوهم أو اعتقلوهم يحملون سحنة وأسماء المصريين حتى الآن. فلن يسمعك أحد. واحمد ربك أنك لست فلسطينيا أو سوريا أو عراقيا أو ليبيا أو يمنيا، ولا حاجة لي كي أسوق لك مبررات الحمد والفرح بالمنة. فقد رحمت من حفلة ضخمة عليك.

وعلى ذكر الخطأ المقرون بقتلك، اسمح لي بإيضاح إضافي يحمل يأسا وأملا؛ اليأس في أن تعبير الخطأ يجب أن يفهم هنا وفق معاييرنا وليس بمعاييركم، بمعنى أن سمته الشيوع؛ إذ يميز كل فعل تقوم به السلطة ويكاد يكون شرطا لوجودها، خصوصا إن كان فعلا أمنيا.. قواعدكم التي ترفض عدم الاكتراث عند استخدام السلاح وتحدد له قوانين وقواعد اشتباك لا تأكل معنا، أقصد لا محل لها عندنا. ذلك لأن \”الدول – يا عزيزي – لا تبنى على حسن النوايا\”. هكذا علمنا آرسطو. لعلك كمتعلم درسته أو قرأت محاوراته او لجأت لسؤاله يوما عبر فيسبوك.

المهم، والذي يحيل حديث اليأس إلى أمل؛ أنه ربما وجود شخصك الكريم بين الضحايا سيصنع فارق \”الخطأ\” هذا، وهو أمر لو تعلمون رحيم. فطالما ستعرف على أنك سائح، وستردد ذلك سفارتكم وأبواقكم الإعلامية المزعجة، ستترفق السلطة تبعنا، وتصدر بيانا لا تميع أرقامه، ولا يعمم وصفا للضحايا بصفة الانتماء للدواعش.. نعت موتك أنت ومرافقيك ومنهم مصريون غلابة بالخطأ، أجمل بلاغيا من نعتكم كدواعش.. أرجو ألا تنكر هذا، وأنت يرحمك الله ويبشبش الطوبة أسفل رأسك تقدم جميلا للناس، الوصف هذا سينعكس إيجابا على عائلة الصرعى المصريين. وسيعفيهم من واجب المثول أمام ضباط التحقيقات وتقديم الدليل الطوعي على أن قتيلهم داعشي مغرق في داعشيته، ما لن يمكث أخوه أو أبوه مدة في المعتقل حتى تظهر الحقيقة.. الحقيقة أنثى لدينا وهي قليلة الظهورلأسباب تتعلق بالخجل والتقاليد.. أرجو أن تحترم الفوارق الثقافية بيننا.

صدقني، سيكون هؤلاء في غاية الامتنان لذكرى شخصك الكريم. وسيضع الأحياء منهم الورود على قبرك كلما سنحت لهم فرصة التذكر.

أليس هذا أمر رائع تختم به حياتك، ويقدم قفلة رائعة لدراما موتك من أجل التعرف على حضارتنا والتمتع بمصرنا القريبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top