عبده البرماوي يكتب: اعدموا ناجي!

معالي السيد المستشار النائب العام،

تحية طيبة وبعد،،

لقد مرت عيناي المؤمنتان بنص مفزع، احتشدت سطوره بكل فاحش من تعبيرات الجنس البواح، وأوصاف يشيب لها الولدان الأبرياء، في كتاب وياللغرابة، يقال إنه مختص في السيرة.

هل تتصورون عدالتكم أن كاتبا يدعى ابن كثير يورد في سفر مخصص لسرد تاريخ الإسلام فحشا صرفا كالذي سيلي؟ ذلك الإبن كثير في معرض سرده أحداث السنة الحادية عشرة للهجرة ضمن قسم من أقسام السفر المعنون \”البداية والنهاية\” يضّمِن محاورة شعرية بين شخص يدعى مسيلمة الكذاب وامرأة تسمى سجاح المتنبئة. وهذا نصه:

\”يقال: إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها؟ فقالت : وهل يكون النساء يبتدئن؟ بل أنت ماذا أوحي إليك؟ فقال : \”ألم تر  إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا\”. قالت : وماذا؟ فقال: \”إن الله خلق النساء أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فنولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا\”، فقالت: أشهد أنك نبي. فقال لها: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت : نعم.

فقال : ألا قومي إلى النيك –  فقد هيئ لك المضجع
فإن شئت ففي البيت – وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك  – وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه   -وإن شئت به أجمع

فقالت: بل به أجمع. فقال: بذلك أوحي إلي، وأقامت عنده ثلاثة أيام.

هل تصدق سيدي أن حديثا خاصا مثل هذا يخرج إلى العلن؟ ويباع في المكتبات؟ ويتاح لأيدي الناشئة والصغار؟ ماذا تنتظرون عدالتكم إزاء هذا النص الفاضح الصريح في لفظه، الخادش لمشاعر المواطنين المؤمنين الرهيفة؟ وماذا ستقولون إن جاءكم أولئك المجروحون في نفوسهم ملتجئين يطلبون الاحتماء من هذا العدوان اللغوي والأخلاقي الشنيع؟ ألئن خاطبكم بوصفكم محتسب الشعب، وراعى أخلاقه، ضد هذا الكاتب وناشره ستردونه؟ وهل يلتفت ضميركم عن جريمة نشر محتوى كهذا منافٍ للآداب العامة، في كتاب مهمته الوعظ الأخلاقي والعناية بالأدب والتاريخ والسيرة؟ لعمري ستنتفضون وستغضبون!

سيدي الفاضل:

إنه لمن الجليل الجلل أن تظهر نصوصا تتسم بمنافاة الآداب وغايتها جرح براءة الشعب ومؤمنيه بالخصوص. ولعلك تتفق أنه ليس ذنبا إن ود بعضنا نحن المرهفين مطالعة نصوص تحض على الفضيلة وتبشر  بها. فإذا بنا نقف إزاء عبارات صادمة، وأي صدمة سيدي، حين تعرض أمام عينيك همسات الغزل ورهزات الفراش، التي يتوجب سترها. أين هي النيابة العامة متولية الحسبة عنا نحن المصريون، ممنن تحتقن نفوسنا، وتضطرب مشاعرنا جراء عدوان هذه النصوص، التي تجد للأسف من ينشرها للعوام متعديا على باحة الأخلاق والآداب العامة؟

دعني أؤكد لك سيدي أن هذه الشكوى تأتي في اتساق تام مع تصور عدالتكم لدور القانون في بلدنا، وكذلك قناعة مؤسستكم الموقرة المستلهمة من تراث طويل في التعاطي مع قضايا الازدراء واستخدام الأدب والفكر في نشر الرذيلة. إنكم، وانتم المنافحون عن الفضيلة، لم تتوانوا يوما عن هذه المهمة العظيمة، وحين قمتم بالأمس بإحالة بلاغا حول رواية لكاتب يدعى أحمد ناجي، يتضمن واقعة شبيهة إلى محكمة الجنح، لتنظر فيه عدالتها حيث \”يُحرِّض المواطنين على الرذيلة ويخدش الحياء العام و ينتهك الآداب العامة\”، وانتت إلى إدانته، كنتم تفتحون أمامنا الباب كي نطالبكم اليوم بنفس الإجراء مع ابن كثير، آملين في أن ينال ما نال غيره.

أنتم تطبقون بهذا روح الدستور، ونربأ بكم أن يظنن ظان مناقضة فهمكم لحدود الأدب ومهمته، وما يرد في صريح الدستور توكيدا بأن: \”حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.\”، فما كتبه ابن كثير في هذه السطور لا يمكن بحال تصوره ضمن حدود أخلاقية تقنن ما تعتبرونه إبداعا وفنا وفكرا. فبحسب تصور النيابة وصحيح القانون، فإنه نص بسبب ما به من فحش، من شأنه نشر الرذيلة بغض النظر عن سياقه ومراميه الكلية. إنه لمما يفتح العيون الغضة على أفعال الجنس والإمتاع، ويوردها في عبارات مبتذلة فجة كالنيك والسلق والجمع ووضع ثلثيه! يقول لها ثلثيه، فتطلبه كله حضرتك؟!

سيدي، ما من شك في أن مبدأ الحماية وكفالة الحرية للإبداع لا ينطبق على هذا النص، وطالما المسطور شيء \”قليل الأدب\”، فلا تستقيم لصالحه تلك المجادلات الفارغة، والمناكفات الشائهة، حول ماهية القيمة الأدبية والفكرية، وما هو عال فيها وما هو قليل. وشخصيا لا أجد ما يمكن الاحتجاج به لتبرئة ابن كثير. واعتبرهم نصابين، أولئك الذين يبتدرون إلى المراوغة  بإيراد قول عن النبي فيه عبارة \”… فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا\”، وتعرف سيادتك ما هو الهنو، أو يحتج بعضهم بما ينسب لأبي بكر من قوله لأحدهم \”امصص بظر اللات\”، وتعرف يقينا سيادتك ما هو البظر.. كلامهم مردود عليه، ويحل في موضع الاستثناء المبني على جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لزجر المنفلتين. والقياس عليه لا يجوز.

ننتظر غضبتكم سيدي، ومبادرتكم بإحالة ابن كثير للمحكمة، كي تصمت هذه الأصوات. وإن شعبنا في مسيس الحاجة إلى النيابة العامة لتعرفه ماهية الأدب المقبول والفكر  غير المرذول. وهي تستطيع بلا شك، وبإمكانها تقييم الفكر والإبداع، كما فعلت طويلا، سواء في نص ابن كثير وشعر  مسيلمة وسجاح، أو في رواية ناجي. ولا شك أن من مهمتها تمييز المنافي للآداب العامة، عن غير المنافي. وهي ههنا صاحبة حق أصيل في العمل كناقد أدبي وموجه أخلاقي ومفسر  ديني في آن معا.

ولا يؤثر في ذلك قول من يطالب بجعل مناط نقد العمل الفكري بيد النقاش العام والتداول الاجتماعي، حيث تتقارع الفكرة بالفكرة، والحجة بالحجة، والرأي بالرأي والإبداع بالإبداع المقابل، فكل هذا من قبيل تمييع الأمور، وترك للخبائث حتى تتنامى وتهدد حياء المجتمع وفضيلته.

إنكم في مهمتكم السامية حين تطالبون بأقصى العقوبة لابن كثير، تظلون بمنأى عن مناقضة النص الدستوري القائل بألا توقع عقوبة تسلب الحرية \”في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري\”، والمطالبة من جهتكم بعامين في السجن، هو ترأف بحال ابن كثير، قد حدده قانون العقوبات في مادته 178.

إن تلك المادة حين تعاقب المنفلتين عن حدود الأدب \”بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين\”، وتصيب منهم \”كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صورا محفورة أو منقوشة أو رسوما يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة\”، طالما أنها \”كانت خادشة للحياء العام\”، فإنها تحمي النظام العام والآداب وأخلاق المجتمع وتبقى مستوى الفضيلة عند حد معقول. إنه وإن بدا ظاهريا أن ثمة تناقض وهذين النصين الدستورين بعاليه، فإن مناطها لا يتعلق بمعاقبة الخيال ولا الإبداع ولا البحث، ولا يمكن اتهام المادة بأنها تحد من حرية ضمير القائمين على الفكر  والفنون والآداب، أو أن من آثارها حجب الأفكار، إنما هي بكل اليقين قد بعدت بسهمها عن هؤلاء، فيما تود لو تصيب نفرا غيرهم يوردون ما يعبر عن سوء الأدب في هيئة نصوص تجرح النفوس وتخدش البراءة.

ولا يجرمنكم شنآن المنزعجين، وتلك الثلة من مهاويس الحرية الفكرية، والتفتوا عن مثل هذا الجدل العقيم حول معنى خدش الحياء، والتهافت حول مقدار المخدوش منه الذي يتوجب تجريمه، والسؤال الملغز حول ما هية الحياء، والمراوغة حول طبيعة الضرر المسمى بخدش حياء، وكل هذه التساؤلات المتسفسطة الهزلاء التي لا تراعي معنى العيب ولا العرف ولا التقاليد ولا الأخلاق الموروثة ولا المشاعر الفطرية التي تأبى مطالعة أمور الجنس في وسيلة مقرؤة ومتاحة للعوام. والأمر ليس تأويليا، بل هو واضح لديكم وضوح الشمس في رابعة النهار. ولا يلزم النيابة العامة الموقرة في ذلك أن تستمع لقول من يهرفون بأن عبارات مثل هذه عبارات اعتيادية في التصوير المخيالي والتوليف الإبداعي، أو أنها بصورتها تلك لازمة لعرض أحوال درامية أو مواقف تاريخية. وتعتبر فعل التلصص من ناحية الكاتب بغرض إظهار المشاعر الإنسانية أو المواقف التاريخية مقبولا في هذا السياق، وأن ما فيه من أشياء قد تخدش الحياء يتوجب التسامح معها. هذا كله سيدي هراء ومحض تدليس، من شأن تركه أن يسمح بانتهاك حرمة الأخلاق، فيما يعمينا عن موجبات تحقق الفضيلة في المجتمع.

احبسوا ابن كثير، وكاتب ألف ليلة وليلة، والأصفهاني صاحب الأغاني، وبالمرة اعدموا هذا الناجي واستخدامه للحياة بصورة خاطئة، وعرفونا بالأخلاق والفضيلة يرحكم الله.

مقدمه:

محمود أبو فضيلة المحامي

ديرب نجم – دقهلية

يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع  \”زائد 18\”، و\”مدى مصر\”، و\”قل\”،و \”زحمة\”. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top