عبده البرماوى يكتب: متسامح ومتواضع

عبر باب المكتب المفتوح أرى نوال زميلتي في الشركة التي تعمل في مجال تسويق آلات الزراعة ومستلزماتها. هي سكرتيرة مدير الشركة وبيننا ود، وبصراحة أحبها لأنها شقراء من مصر الجديدة، وأتغاضى عن مبالغتها في استدعاء أصول عائلتها التركية لكل حديث، وتنبيهها الناس لهذه المسألة في أول تعارف معهم. وبجواري سمير، زميل دفعتي في كلية العلوم وشريك الغرفة الذي لا يجد في نفسه ميلا لمصادقة زملاء الدراسة من النوبيين، خصوصا كريم المسئول عن فريقنا، لأنه أسود غطيس، ولا أنسى له أنه في أحد الاجتماعات قد أبدى امتعاضه صراحة من فكرة العمل مع زميل جاء من فرعنا في السودان للتدريب، ووصفه ومن مثله من أهل هذه البلاد بأنهم كسالى وبلهاء. حنان، أخته، تعمل معنا في التسويق، وتشاطره الرأي، وإن اختلفت عنه في أن مشكلتها ليست مع اللون، فكثيرا ما وصفت هند زميلتنا البيضاء التي تعمل معها في نفس القسم بأنها لئيمة وسيئة الطوية، لأن أصولها ريفية.

وتعتبرها مجرد نسخة محسنة شكلا من أهلها الفلاحين اللئيمين الأشرار، وتضحك وهي تقسم أن لجسد هند عرق الفلاحين المقرف، وتشاركها شاهيناز الرأي نفسه، وتنزعج خصوصا لو نما لعلمها أن أي من الزملاء دمياطي، ولا تتورع عن إعلان امتعاضها علانية إن عرفت أن أحدهم من المنايفة، وتضيف باقتناع أنه أكيد جلدة ولا يلوف ولو أكل لحم الكتوف. أما المهندس عبد النعيم الرجل المتدين المتخصص في الكيماويات الزراعية والمسئول عن تسويق مبيدات مكافحة الآفات الزراعية، فلا أنسى أنه جلس لساعتين يشرح لي حديثا يحذر من العمل في الزراعة، لأن الريفيين أهل خنوع، يمتهنون مهنة الفأس التي تجعلهم يدمنون الانحناء والالتصاق بالأرض فتضيع منهم المرؤة، وساواهم بأهله من الصعايدة ممن يعملون بالزراعة.

لا يطيقه مرقس صديقنا، ليس لأنه متدين، لكن كذلك لأن الصعايدة أغبياء بالفطرة، ناهيك عن أنهم أجلاف عنيفون، ويؤكد رأيه هذا حسام عبد الوهاب الذي يبدو وهو يعزز رأي مرقس عارفا فقد عمل في فرعنا في الصعيد لسنوات، ويضيف أن الصعايدة أناس لا فائدة ترجى منهم، وتنمية قراهم وتطوير مدنهم لن يجيء إلا بالوبال. ويهمس أن أسوأهم هم هؤلاء المنياوية كونهم “ناس خرعة”.

سها لا يعنيها إلا الخدم، وهم لديها سارقون بالفطرة، وجبناء كذلك، لابد من إظهار العين الحمراء لهم وقمعهم أولا بأول لتوقي شرهم. مديرنا الدكتور مجدي رجل منفتح، لكنه يصر على أنه لا يستطيع منح الموظفات أجرا يساوي زملائهن الذكور ولو كانوا على الدرجة والوظيفة نفسها وبلغن المستوى ذاته من الكفاءة؟ ويستثني من عجزه هذا نائبته مدام علية، لأنها \”راجل\”، ولا تجد هي غضاضة في الوصف، وحكت أنها رفضت عريسا تقدم للزواج من ابنتها نهال لأن الولد \”منسون\”.

أما عم إبراهيم عامل البوفيه الذي لا يقدم المشروبات لمرقس، فقد صارحني ذات يوم بأنه لا يأمن شر مرقس، ولا لؤمه، وكيف أنه حين نُشل منه الراتب قبل بضعة أشهر في المترو كان يشك بنصراني يجلس إلى جواره وعلى رسغه دق الصليب. أنا دونا عنهم لا أميز بين الناس هكذا بحسب الأصل، وذلك سبب كاف لكي أكرههم. شعرت مرات بأنني لا أطيقهم جميعا دون سبب واضح، أنا أفضل منهم بأي حال، لأنني متسامح.!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top