عبدالرحيم كمال يكتب: يا باشا … يا باشا

 

البشوية ما اتلغتش ومن أول المزة اللي ماشية على الرصيف بتؤدة، ولحد صياد عيون البني آدمين.. الكل يتقاله يا باشا.. يا باشا.

جرب تقف على أي ناصية في مصر وتزعق بصوت عالي، وتقول: يا باشا، وعد عدد الأرقاب اللي هتتلوي وتبص وراها، وتشوف مين بينده.

كل مصري جواه باشا ومستني حد ينده عليه، بلاش.. جرب تلبس مقطع، وتروح تنام تحت كوبري جنب اللي من غير متوى، حتلاقي ألف رجل بتدفسك في محاشمك وتزقك، عشان النوم تحت الكوبري رتب، ومش أي حد ينام في أي حته.

الطبقية في مصر، قديمة وأصيلة، وإن كنا إحنا شعب متدين بطبعه.. إحنا كمان شعب طبقي بطبعه، وأخلاقه ورعايته لبيته وأسرته.

أصطلح الجميع مثلا أن أي حد في الداخليه، باشا.. من أول أمين الشرطة عند سحب الرتب، ولحد أكبر رتبة، وكلمة باشا دي مش هتلاقيها بس على لسان العوام الغلابة للظباط.. لا.. هتسمعها بودنك من مذيع شهير، ومن نجم، ومن رياضي، ومن قاضي، ومن وزرا.. يا سعادة الباشا هي الرتبة المجانية الممنوحه بسخاء من أي مواطن طبقي، عشان يدغدغ بيها مشاعر المواطن التاني.

إحنا الشاتمين بطبقية والساخرين بطبقية والنافخين بطبقية أيضا، والنفخ لدينا كمصريين طبقيين، يستخدم بعدة معان، في بلد تعيش على المجاز والتأويل، فالنفخ مرة يكون بمعنى المدح ومره طبعا بمعني التعذيب نفخا وساعات تاخدهم الظرافة والاستظراف ويجعلوه بديلا لكلمة حمل، في استهزاء صارخ بحمل النساء!

وحينما يصيع المواطن الطبقي علي المواطن التاني الأكثر طبقية، ويمنحه لقب باشا، ولكن بنبرة ممطوطه مستهزئة، يرد التاني بنفس التكنيك: لا يا عم إنت الباشا.. فلا تدري أن كانوا بيحترموا اللقب ولا بيسخروا منه، وتبدأ تراجع نفسك من الأول خالص وتسأل: هما الناس دول كانوا فرحانين فعلا بالثورة وإلغاء الرتب والألقاب؟ هما بيدوروا فعلا على المساواه والعدل، ولا ده رد فعل عبقري منهم، على كل قهر، فبيقولوا بلغتهم إن مفيش يا عم حاجة اتغيرت، والباشا هيفضل باشا.. بس زمان اللقب كان منحة من الملك، لكن دلوقتي بيخرج على سبيل المنحة والمجاملة والتهزيء – لو لزم الأمر – وبعد ما كان عدد الباشاوات الرسمي في مصر محدودا، اصبحنا بلد التسعين مليون باشا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top